بقلم : ناصر الظاهري
إن كانت ثمة أمور مفرحة وعفوية، وتفرح القلب في السفر، فهناك أمور غير متوقعة، وقد تكون صغيرة لكنها تقبض القلب، وقد تحزنه لحين.
- كأن تصل إلى عاصمة في الشمال الأوروبي في فصل الشتاء، وما أن تبلغ مطارها بعد محطة توقف، وتفاجأ بأن حقيبتك تائهة في أحد المطارات، وعليك البحث عن ملابس ثقيلة تدثرك في ذاك الصقيع الأوروبي، وأنت تدرك كآت من صحراء أنها لن تنفعك كثيراً، فهي مثل ملابس المناسبات، غالية وقليلة الاستعمال، فتتمنى حينها لو أن حقيبتك قد ضاعت في بانكوك، حينها سترضف على جسدك فانيلة خفيفة و«جينز» بمائة وخمسين «بات» فقط، وهذاك «السيح الوسيع».
- أن تكون مغادراً مطار هيثرو اللندني، ويصر أحد رفاق السفر أن يسترد قيمة الضريبة المضافة، رغم أن مشترياته لا تزيد عن ألف جنيه إسترليني، فتظل تنتظره وهو يقف في صف طويل، ويعبئ أوراقاً، ويختم أوراقاً، ويتحمل ثقل موظف استرجاع الضريبة نقداً، والذي يتمنى أن لا تخرج من صندوقه إلا بشق الأنفس، وأخيراً يتحصل على مبلغ تكون أنت قد دفعته في شرب فناجين القهوة في ساعة انتظار ذلك الرفيق الذي لا يحب أن يفرط في حقه.
- أن تظل توصي أصدقاء السفر كل حين وحين، حرصاً منك أن لا يربككم ويقلقكم واحد «دومه فاج نطع»، وتعرفونه، بعدم نسيان جوازات السفر، وحينما تقطعون ساعة في الطريق إلى المطار يتذكر ذلك الذي ظللت توصيه دوماً أن جواز سفره نسيه في صندوق الأمانات بغرفته في الفندق، فلا تملك أنت ومن معك إلا أمنية واحدة فقط حينها، أن يرجع صاحبنا بـ«لنش خشب، ويشتغل بالديزل» قاطعاً ذلك المحيط البعيد.
- أن يصر أحد رفقاء السفر المتعبين، وصفة المتعب هنا بحق، فهو مثلاً قد يعنّ على باله أن يأكل «عيش» في مساء النرويج الخافت، ويتعبك أنت دون أن يتعب نفسه، فأنت الذي ستبحث في الإنترنت عن المطاعم، وتقرأ قائمة الوجبات التي يقدمونها وهي قليلة ومتحفظة، وعادة تكتب بخط صغير، يعني باختصار في تلك الليلة سيربك هذا المتعب أمعاءنا، لكي ترتاح معدته، المتعبون في السفر كثر، واحد يريد يصرف ألف دولار، ويحوط على أربعة صرافين لكي لا يشعر بغش أو تجد آخر يحمل دراهم وهو ذاهب إلى البرازيل مثلاً، وتعال فتش على من يصرف الدرهم مقابل الريال هناك، وواحد ليس متذخراً بـ«مضارب دوخة» كافية، وتعال دورّ على من يبيعها في النمسا في ساعة «صوعه».
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن الاتحاد