بقلم : ناصر الظاهري
- أحياناً الناس من طمعها تمنع الخير عن نفسها، ومن جشعها تحرم الخير عن الآخرين، فكم من فاعل خير استغل طيبته أهل غير الخير، وغير المحتاجين، فجعلوه فيما بعد يتردد في فعله، ويشكك إن أقدم عليه، وبالتالي منعوا خيره أن يصل الآخرين المحتاجين، وقتلوا فيه النفس الخيّرة، واليد البيضاء المعطاءة، وحدها نفسه الطيبة ظلت في حيرة الأسئلة، لما هناك أناس منّاعون للخير؟ ويحبون أن يغتالوا من الحياة أهل الخير!
- مرة.. جاء شخص تبدو على جبهته بداية علامة السواد التي قد توهم الآخرين أنها من أثر السجود، ولا يتحدث إلا بالشكر والحمد، فأخذ بضاعة من صديق، ودفع ثمنها صكاً مصرفياً صحيحاً، ثم ذهب للعمرة، وعاد حليق الرأس، وأشاع أنه كان في بيت الله معتمراً، وأنه كان يدعو لنا في دبّر كل صلاة، وفِي كل طواف، وأخذ بضاعة أخرى أكثر وأكبر، ودفع صكاً مصرفياً لم يشك الآخرون أنه غير صحيح، وحدي من كان يحذرهم منذ البداية من أسمه الطويل الذي يبدأ بـ «محمد» متتاليين، وفِي آخره «محمود» و«شريف»، يومها لم يصدقني الصديق، وكاد أن يعدّني من الغلاة المحرضين، وعذره كان أن «محمد محمد» يصلي معنا جماعة، وعلامة التقوى على ناصيته، ولا نسمع منه إلا «الله المستعان»، غاب «محمد محمد» عن المسجد، ولَم يعد يحضر صلاة الجماعة، ولَم يصرف الصك، ولَم نر وجهه الذي كانت عليه بداية سواد الورع، ولَم يبق لصديقي غير رنين أسمه الذي ما زال يطنّ في أذنيه، غير مصدق كيف يكذب من يحمل اسماً طاهراً مرتين!
- كان صاحب محل في حارة كلها فيلل كبيرة، تكتظ بالعائلات الكثيرة، وغالبهم من الشباب دون العشرين، صاحب ذاك المحل ما أن تفتح بابه حتى تسمع تسجيلاً: «أذكر الله.. يذكرك»، وإذا ما خرجت، سمعت تسجيلاً آخر: «أحفظ الله.. يحفظك»، كانت تجارته رابحة، وتدر عليه الكثير، كونه الوحيد، وكون الناس وثقت فيه، ومن بضاعته التي يبيع، كان في العام إما يذهب للعمرة أو يذهب للحج الذي يستطيع إليه سبيلاً، ظل قرابة عشر سنوات، يبيع، ويبيع، والأقدام لا تكف عن محله، وفي يوم قبض عليه يبيع للشباب الكثيرين دون العشرين أشياء لا يذكر عليها ومعها اسم الله، أشياء ممنوعة، ومخربة، ومدمرة لحياة الناس، وأقفل باب محله المحروس بالشمع الأحمر، وحده التسجيل بقي يسمعه الناس من محله المهجور بين الحين والحين، والذي لم يسمعه صاحب المحل مرة بصدق: «اذكر الله.. يذكرك، واحفظ الله، يحفظك»! نقلا عن الاتحاد