بقلم : ناصر الظاهري
في دروب الحياة تصادف أشخاصاً يضيفون لرصيد تجربتك بُعداً، ويزيدون من معرفتك عمقاً، ويفتحون لك أفقاً كان غائماً مدّلهماً، يخرجون لك من جعبتهم إن التقيتهم أو هاتفتهم شيئاً جديداً ومدهشاً، شيئاً غائباً أو مختاراً، لا يكون اللقاء بهم إلا مثمراً ومتميزاً، يحمّلونك في تلك الدقائق المتسارعة أمراً من الحكمة أو نصيحة مثقالها ذهباً، ولا يتعالون.
من هذه الشخصيات المذهلة، بسام سعيد فريحه الذي يحسد على اسمه، لأن له من اشتقاقاته البسمة والسعادة والفرح، وله من اسمه نصيب، فمن أين تأتيه ذاريات الهَمّ، وغانيات الغَمّ، وهو محصن بفعل ثلاثي الأبعاد له من ألوان الحياة الحقّة، ولمن يريد أن يعيشها كما هي، زاهية وريّانة، كما أنه يحسد على ثلاثة أشياء أخرى: صداقاته وعلاقاته النخبوية الكثيرة، مقتنياته الفنية العالية التي قضى ما يزيد على الأربعين عاماً في تجميعها وانتقائها من مدن الله الكثيرة، ثم إصداراته الصحفية المتعددة من خلال «دار الصياد» العريقة التي أسسها والده الصحفي الكبير «سعيد فريحه» قبل 75 عاماً.
وهو إن حسد على ثلاث مسائل، فلا يحسد على ثلاث: التنقل الدائم بحيث لا يتذكر سرير الأمس، وعلى أي مخدة وضع رأسه قبيل النوم، وساعة صحوه في أي مدينة هو اليوم، لكنه في حلّه وترحاله، قادر هو على محاولة الإمساك بالأشياء الكثيرة التي يتعامل بها، بحيث لا تفلت التفاصيل من بين أصابعه، ولا الوقت الهارب والمتناثر والموزع على جهات الدنيا الأربع.
بعض من هؤلاء الأشخاص، وبسّام منهم، تقول: ألتقيهم ولو صدفة، أحاول أن أسرق من وقتهم، ولو دقيقة، أخذ كلمة منهم أو فكرة عابرة وأمضي، ساعتها أصيح كنت محظوظاً، كفتى خطف هديته وجرى.
بسّام له عين فاحصة، وبصيرة ثاقبة، يعرف الناس والأشياء، يتابع أموره ولو كانت صغيرة، فحكمة العمر علمته أن كل شيء مهما صغر مهم، ومهما عظم فهو أهم، تتساوى عنده الأمور حين يريد، ولا يركن لمسألة كبيرة، وينسى أمراً صغيراً، صاحب واجب، وخير في الناس، لا تنسيه عجلة الحياة المتسارعة شخصاً عمل معه، أو شخصاً خانت به قدم الحظ أو غلبته الحياة، وهو لا يريد ولا يستحق، يشعرك بسّام وهو بين كل هذه الأشياء المتداخلة، أنه يعمل مع مساعديه، لا يعملون عنده، ويذكّر معاونيه الناسين، ولا يذكّرونه، قد يطيل الحكم على الأمور، وقد يفرض صمته تجاه ما لا يريد الإفصاح عنه، وقد يتناسى، لكنه لا ينسى، إلا الخطيئة، ولا يفرحه كثيراً ودائماً مثل النجاح، لذا مبارك عنده نجاح الآخرين، وزهوهم هو شيء من فرحه على الدوام، ونافذة صغيرة يطلّ منها على سعادته.. وغداً نكمل..