بقلم : ناصر الظاهري
الشخصيات القلقة ترمي بالشكوك حولها أثناء سفر وتجوال الْيَوْمَ، حتى نكاد لا نحسن الظن بالآخر، ونظل نراقب حركاته، ونحصي سكناته، لأنه بالنسبة للناس مشروع عنصر قابل للانشطار في أي لحظة، تظل عينك على ذلك الجليس المقابل، وهو يهز قدميه حتى تكاد تصطك ركبتاه، ولا يعير الناس اهتماماً، تحاول في البداية أن تجد له عذراً، كالمسافر لأول مرة، لكن مثله شغل «باصات»، وتسلق قطارات آخر الليل، ورفيق لسائقي الشاحنات في ضجرهم الإسفلتي، يزداد تلاطم رجلية، وربذتا القدمين تتحركان في خواء عضلي، يشعره بالراحة قليلاً، لكنه يرفع من
ضغط الآخرين، تفصد العرق على الجبين دلالة واضحة على أن النوايا ليست خيّرة، وصالحة على الدوام، تحاول أن تسبر الكتابة على جواز سفره الذي يكاد يتعرق في يده اليسرى غير الواثقة، لون الجواز البرّاق لا يوحي بثقة مطلقة في البلد الذي أصدره، ويقيناً ليست له أي علاقة أو شبه تعاون مع «الإنتربول» بأي وجه من الوجوه، وصورة الطائر المطبوع على ذلك
الجواز بطريقة غير ماهرة، توحي لك أنه طائر مهيض الجناح، وأنه شغل تزوير في أقبية رطبة تحت الأرض، وإذا أخرج حاسوبه، فستتحرك كل الإشارات الإنذارية التي تكمن في داخلك، باتجاه أن له ارتباطات بمنظمات في الخارج، ولها شبكة محلية ناشطة، وأن تحديد ساعة الصفر قد أزف أوانه، يطيل النظر لتلك الشاشة المعتمة من وهج النهار، فتشعر بأنه لا يقرأ سورة
تبارك أو قصار السور من جزء عم، فتتململ، وتريد أن تغير مكانك، وتريد أن يشعر كل الركاب بما تشعر به، وتتوجس منه، ويزداد ريبك منه، خاصة حين لا يقدر على أن يجلس على «بِيّصه» خمس دقائق كاملة، تلتقي عيونكم فجأة ولثوان، فيعلن التجافي حضوره، تود أن تُبَلّغ عنه في الساعة والحين، خاصة حين تبادل مع شخص قادم حقيبة ليس فيها من هدايا الحجاج، لكنك تحسبها، ماذا ستقول: «يكاد المُريب يقول خذوني».
نتساءل الْيَوْمَ لماذا الشك هو الذي يحركنا؟ لماذا الْيَوْمَ الريبة هي السبّاقة؟ من صنع بنفوسنا هذا؟ لماذا حين نلتقي بالآخر، نتحاشى من أن نأخذه بالأحضان، خوف أن يكون ملغماً، وقابلاً للانشطار والانفجار!