بقلم : ناصر الظاهري
هذا غير الذي يمتدح لباس المضيفة، وأنه جميل، وحين تلجمه بأنه ثوب الشركة، ولم يكن لها يد في الاختيار، يبتسم بحرارة، ويقول: ولكنك تزيدينه جمالاً، فتستقبل المجاملة بروح رياضية وأخوية، فتشكره، وهو لا يريد الشكر، بل ردّ الشكر، طبعاً غير هَمّ البطاقات الشخصية التي تستطيع أن تكتب فيها ما تريد، ولن يسألك أحد أو يحاكمك أحد، الغريب أن كلّ الناس يكتبون رئيس مجلس الإدارة، وهو مستأجر في شقة شبه تافهة من العمارات القديمة في شارع الدفاع أمّ طابقين، ولا إدارة، ولا مجلس، ولا رئيس، وبعضهم يكتب بالإنجليزي طبعاً الرئيس التنفيذي، فنقول إن هذا الشخص من «كرته» أنه مهمّ، وأن ميزان ربحه دائماً في تصاعد، أما الذين يقرنون أسماءهم بثلاثة حروف إنجليزية مختصرة مثل: «P.L.O» أو «XXL»، من تلك الإشارات التي لا نفهمها، فمعظمهم يعتقد أنه، والخير رباعه، فقط كلّ الذي عليه أن يعطي المضيفة تلك البطاقة الملغمة أو رقم الهاتف النقال الذي يكتبه أمام ناظريها الكحيلين على أساس أنه لا يعطيه لأيّ أحد، فقط للذين يهمونه، وهي واحدة منهم، فالرقم الذي ينتهي بأربع ستات، لا بدّ وأن يطبق المبدأ الشرعي على هاتفه، مع اعتذاري ومودتي وحبي لبعض تلك الأرقام التي تنتهي بأربع ستات، وليتني منهم، المهمّ رجال المقصورات في الطائرات، خاصة في درجاتها الأولى يظلون يترنحون ويتجملون ويأتون بالعجب في تلك الرحلة، بعضهم يبقى على الطوى والجوع، فقط لأنه مهذب ويجب ألا يأكل كثيراً، وكل «الكالوري» محسوب، وأيّ حبة زيتون معناه جرام شحم حول خاصرته أو أنه نباتي، ويشمئزّ من اللحم، ويخاف على الدجاج والطيور، لكن لو رأته المضيفة على حقيقته، وهو يجلس القرفصاء، ويلحس الصحن، وكيف يبشّ حين توضع تلك الصينية، وفي وسطها ذبيحة ما أكملت حولاً، والرزّ المبخر، والمتبل، والمبزر، والمحشو، وهو يلعق أصابعه لقالت، «يا آي..شو متوحش»، المهمّ على كيفه أكل أو لم يأكل، بعض الذين أخذوا: كورس أو كورسين في لندن.. يظل يتتبع طريقة الإنجليز الأرستقراطية في الأكل: مشهيات، ومقبلات، وما قبل الصحن الرئيسي، وبعد الصحن الرئيسي، بطاطا مهروسة بالحليب، وفواكه، وحلو، وسلاطة في الأخير، وجبن وعنب وبسكويت، وشراب مهضم، ثم قهوة، ويختمها بشراب الكحة حتى يوهم المضيفة أنه «مستر كالاهان» وأن التي بجانبه، والتي تقرأ في كتاب أدعية السفر طوال الرحلة، هي «مدام دي بومبادور»! كثيرون يتجملون في السفر.. كثيرون لا يعرفون الفرح فيه، قليلون من يكونون على طبيعتهم.