بقلم : ناصر الظاهري
لا أحد يمكن أن ينكر السباب، ووجوده في الشارع، والمنازل، والمجتمعات، وقواميس لغات الشعوب، غير أنه يختلف من مجتمع لآخر، ومن لغة لأخرى، حسب ثقافة المجتمعات، والتعددية فيها من أجناس وأعراق، إلى أديان، وطوائف، إلى الطبقات الاجتماعية المختلفة، وكلما كان المجتمع منفتحاً، ومتسامحاً، ومتحضراً، قل السباب، خاصة في الطبقات العليا في المجتمع، في حين يظل القاع محتفظاً بقاموسه الشتائمي، ويظهر السباب والشتم واللعن عادة نتيجة الغضب، والحقد، والغيرة، وحين الصدام مع الآخر، ورغم أن كافة الأديان السماوية والوضعية والفلسفات ذات القيم الإنسانية حرمته، وعدته من نقائص الشخصية، وضعفها، ولا يؤتيه إلا أرذل الناس، فإن الواقع يفرضه على مفردات اليوم في كل مكان، ولعل ضغوطات الحياة، وانعدام العدالة الاجتماعية، وأسباب تردي معيشة الأفراد، والكوارث الإنسانية، والسخط الشخصي، تجعله حاضراً في كل لحظة، وكل حركة، وكل ردة فعل.
يبدأ السب في المنزل على أتفه الأمور، لينتقل للجار، ولزملاء العمل، وللشارع، صعوداً للسياسيين، وللأغنياء، وللأحزاب، وللحكومة حتى أعلى الهرم السياسي، ثم يأتي سب الدين، خاصة عند الشعوب التي يسكن أرضها أكثر من دين، وفيها ملل ونحل وطوائف عدة، وأغضب السب ما يطال السماء؛ لذا كنا في مجتمع الإمارات نستغرب في البداية سب الدين، ونغضب له، خاصة حينما أتى مع قدوم أهل الشام الذين يكثرون من شتم الدين، والتكفيريات الخاصة بهم في نعت الربوبية؛ لأنهم آتون من مجتمع متعدد الديانات والطوائف، فشكل لنا صدمة، لم نفهمها في حينها، حتى أن أفغانياً من «الباتان»، حينما سب فلسطيني دينه هجم عليه يريد قلع لسانه في العين ذات مرة، وقد يستعاض عن السباب والشتائم بالنكتة، والسخرية، وهما في حقيقتهما سب مبطن، وفيه تحايل على اللغة، وقد يكون أقسى، تماماً مثلما نجد شعر الهجاء عند العرب، خاصة الفاحش منه، مثل النقائض عند الثالوث الشعري الأموي، الأخطل وجرير والفرزدق، والذي يطال كل شيء دونما أي حرمة أو خلق، كما أن هناك نوعاً آخر من السب والشتم، وهو اللعن الصامت أو بالإيماءات والإشارات، وحركات اليد أو الفم، والتي يفهمها الطرفان الساب والمسبوب.
ردات الفعل على السب والشتم واللعن والقذف تختلف أيضاً من مجتمع لآخر، وحسب نوع المسبة، تبدأ بالرد بأقبح القول أو ردة الفعل العنفي أو القتل الفردي أو حتى إشعال الحرب؛ لذا جاءت القوانين لتحد من ردة فعل الغضب الجمعي، وتمنعه، وتعاقب على ردة فعل الغضب الفردي، وتقتص منه.
وقد انحصرت مفردات السباب ومواضيعه عند الشعوب وفي لغاتها، حسب طبيعة هذه المجتمعات، غير أن هذا لا يمنع من أن تكون هناك «ثيمات» مشتركة بين الشعوب، مثل الجنس، والدين، والعنصرية، والتشبيه بالحيوانات، والمثلية، والدعارة، والأعضاء التناسلية، والإفرازات الجسدية، والأمراض، خاصة العقلية، ومسبات الأهل، خاصة ما يقع على المرأة كنوع من قسوة المجتمع الذكوري نحوها.