بقلم : ناصر الظاهري
ضمن ما درسناه بالجامعة في علم النفس، قصة تجربة وبحث أجري على نَفَر من معصوبي العينين، وجعلوهم يتحسسون جسد فيل، ويسجل كل شخص انطباعه، ومدى معرفته بذاك الشيء المحسوس الملموس، فوصف كل شخص جزءا من الفيل مشبهاً، فالرجل يمكن أن تكون ساق شجرة كبيرة، والأذنان يمكن أن تكونا زعانف حوت، والخرطوم والذيل اختلط أمرهما، والجبهة
يمكن أن تكون باب معبد قديم، كل واحد من أولئك الخاضعين للتجربة، والتعرف على ما يلمسونه، وما يوحي لهم، قاربوا الحقيقة، لكنهم لم يعرفوا الحقيقة، وجانبوها، ولَم يتعرفوا على الفيل، وهذا ما حدث حين عرضت إحدى الزميلات صورة تم تداولها لامرأة تعرضت للعنف المنزلي، فبدا وجهها متورماً، وبه كدمات، الفريق النسائي اتحد بمجمله، ونتيجة تأثير الصورة،
ومخاطبتها للعاطفة الهشة.. صرخن بالسباب والشتائم، وعظائم الأمور على الزوج، وناصرن أختهن ظالمة أو مظلومة، وأقل الكلام الذي كان موجهاً من طرفهن للزوج، «أنه ليس برجل»، و«أنه مريض نفسياً و«سادي العقد»، وصرخت واحدة من بينهن: «والله لخلعه، وقبل ما اخلعه، بخلع له رقبته»، ولا واحدة خرجت عن ذلك الانفعال الأنثوي، ثم ملن نحو ترقيق الحالة، مثل، «مسكينة عندها عيال، وهو لا يُقَدّر»، «حرام... عليه، هذا مسعور».
في حين انقسم الفريق الرجالي، منهم من تأثر بصوت نُون النسوة، ومنهم من اتخذ العقل، وجنّب العاطفة، فقال أحدهم: «نحن لا ندري، حكمنا من خلال الصورة، ربما وجهت له ضربة قاتلة أو تحت الحزام»، وقال آخر: «ربما أخرجته عن حلمه وطوره واستفزته بقول أو فعل»، وأردف آخرون بقولهم: «ربما اقترفت ذنباً لا يغتفر»، وتطرف آخر قائلاً بحكم شبه مؤكد: «هذه فعلتها شينة، وتخجل الرجولة»، كلا الفريقين جانب الصواب، واجتهد، وفق نفسيته، ووفق علله الداخلية، ووفق إسقاطات آتية من النفس الإنسانية، وعقدها، لكن الحقيقة أنه «لم يكن غير فيل»، ولَم تكن غير صورة لامرأة تعرضت لحادث سيارة، وأن الزوج بريء، والزوجة تحب زوجها.
هكذا نحن ننظر لما نريده، وما تمليه علينا نفوسنا، وما يمكن أن يريح أحوالنا المتأزمة، لا ننظر لأوجه الحقيقة، ولا نقدم العقل قبل العاطفة، ولا نتحدث بموضوعية، نحن جميعاً واقعون تحت تأثير الانفعال والحماسة والعاطفة الجيّاشة.