يرهقون أنفسهم بالسراب

يرهقون أنفسهم بالسراب

يرهقون أنفسهم بالسراب

 صوت الإمارات -

يرهقون أنفسهم بالسراب

بقلم : ناصر الظاهري

هناك أناس يتعبون أنفسهم مقابل لا شيء، ومن أجل لا شيء، إلا إذا كان هناك شيء غير مرئي، يرونه، ولا يراه الناس، لقد وقفت عند هذا السؤال حينما تراءى لي مرة مشهد شخص كان كل يوم يلبس حذاءه مع لون ساعته، متوائماً مع لون غلاف نقّاله، ولا أدري فربما كان يركّب كل الألوان في حياته وفق كل يوم، وتساءلت لم هذا العذاب للنفس؟ ماذا يجني هذا الشخص بإرهاق عمره كل يوم؟ أي متعة وسعادة يمكن أن يجنيها هذا الرجل المتبختر بالألوان وبهذا الشقاء!

ثم كبر السؤال، باحثاً عن المتعبين أنفسهم في يومهم، ولا يعرفون كيف يستمتعون بحياتهم، واحد آخر منذ الصباح يفكر بمساوئ فلان، وعيوب فلانة، ويسبر حياة الآخرين ليجد مثلباً يفرح به، وكأنه باكتشاف عيوب الآخرين يرفع من قيمته، ويعلي شأنه، وليت كل تعبه ذاك ذهب في إصلاح نفسه، وأعاد تقويمها، ودفعها للخير، امرأة تجدها تبحث طوال وقتها عمن يمكنها أن تخضعهم لسلطتها الوهمية، فتجدها تلقف في طريقها زوجاً منهكاً من الحياة ومتطلباتها، أولاداً تمزق نفسياتهم، وتقسو على أعمارهم الغضة، صديقات تحط من قدرهن، وتستعبدهن بعطاياها الناقصة، ورحلاتها التفوقية، ولعبها غير المتسامح على خطوط بيوتهن، وتسأل ما قيمة ما تفعله هذه المرأة من تعب في حياتها؟ وليتها سخرت قوتها وعافيتها فيما يدعم وجودها في الدنيا، ويقرّب لها طعم السعادة، بعيد عن وهم سلطة لو تيسرت لها، وملكتها، فلن تعرف ما تفعل بكل ذلك السراب.
شخص يحزنه أن يجد أحداً سعيداً، وكأن الضحكة عنده لها طعم الخلّ، وشخص يرهقه ضحكة الناس وفرحهم، ويتعب ليجلب لهم كل الضجر، ليدخله في نفوسهم المتحفزة للحياة وألوانها، وشخص لا يقبل دون الموت رفيقاً له يزرعه في طريق الأبرياء، وكأن دمهم هو الذي سيطهر نفسه الشقية، وسيمكن له الخلود في الجنان.

وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الدول، فدولة نذرت نفسها لأن تنهش هنا، وتعض هناك، تبذر مالها، وتقتل عيالها، من أجل شعارها، وتعلن أنها مسؤولة عن الأم إن جف ضرعها، وعن دمعة اليتيم، وعن الشاة إن تعثرت في الوادي قدمها، تريد أن تنقذ العالم، وتقتل شعبها.

بين ذاك الشخص الذي يتعب يومه بتركيب الألوان، ليرضي طرفاً ما، لا نعرفه، وبين أولئك الآخرين المرهقين أنفسهم لغير شيء، ودونما أي مقابل وجه شبه، جميعهم يهرولون باتجاه السراب، فيتعبون، ولا يصلون، ولا يقبضون في نهاية وقتهم إلا التراب!

amood8@alIttihad.ae

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يرهقون أنفسهم بالسراب يرهقون أنفسهم بالسراب



GMT 22:32 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

خميسيات

GMT 21:24 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

التنسك في الألوان

GMT 21:19 2016 الأحد ,04 كانون الأول / ديسمبر

نوبل.. تلك النافذة الكبيرة

GMT 23:31 2016 الخميس ,01 كانون الأول / ديسمبر

السماحة تميزهم.. ولا تغيرهم

GMT 21:21 2016 الثلاثاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

نتذكر ونقول: شكراً

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 19:17 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 09:01 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبشرك هذا اليوم بأخبار مفرحة ومفيدة جداً

GMT 06:17 2015 الأربعاء ,04 شباط / فبراير

افتتاح معرض رأس الخيمة للكتاب بمشاركة 76 دار نشر

GMT 02:43 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على مواعيد مباريات منتخب مصر في كأس العالم

GMT 08:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

تخريج الدفعة الأولى من برنامج قيادة الأعمال الإنسانية

GMT 18:45 2015 الخميس ,22 كانون الثاني / يناير

معرض دبي العالمي للقوارب يعزز مكانته العالمية في 2015

GMT 21:44 2014 الأربعاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية تشارك في معرض برشلونة للكتاب في دورته الـ32

GMT 01:38 2014 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

جامعة كينياتا تمنح سيدة كينيا الأولى الدكتوراه الفخرية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates