بقلم : ناصر الظاهري
ستعرف تلك الآدمية أنه يمكن أن يبيع أي شيء، ومرتبط بعلاقات مع مهمين، اكتشفت ذلك من عادته حينما يكلمهم بنقّاله «مصاصرة»، فلا تعرف كلامه الهمس ذلك، لكي لا يخدش طبلات آذانهم أو لكي يوحي للآخرين بأهمية المستمع على الطرف الآخر، أحياناً تشك أنه يحادث الهواء، وإن أظهر بعض الاحترام المتصنع، فقد كان يستخدمها المسكينة في إحدى صفقاته الخاسرة دون أن تفهم، لكنها يمكن أن تميز عيون الرجال الفحول دون أن تشك في البداية في نوايا بطلها رجل العقارات و«البزنس» الذي لم تظهر نتائجه الاقتصادية المتحققة في حياتهما، إضافة لتأخره كثيراً في مواعيدها التي كانت تأتي إليها متلهفة، كأي أجنبية مخلصة، غير أن لحظة الفراق كانت حين كذب عليها مرتين، ولم يعد يتذكر كيف كانت تسير القصص حينها.
طبعاً صاحب «حبالها خوص» سينتقل لأخرى، دون مبالاة، لأنه شعر أنها ترقد على بعض مدخرات، أوحت له من خلال تلك الملابس التي تحمل علامة«مفتاحين متخالفين» وأخرى تحمل حرفين أجنبيين، وصرفها غير المحسوب على الطاولة الخضراء المخملية، هذه كان مستحيل أن يعترف لها بأنه لم يزر «نيس» أو «موناكو»، أو لم يعرف «الريفيرا» الإيطالية في حياته، خاصة حينما يستل صلب «سيكار» من باطن جيب معطفه، لا يمكن أن تتبين طراوته بعد أن يبلله من شراب باق في قعر كأسه.
الشيء الوحيد الذي يصعب عليه الاعتراف به، أنه على صلة، وعلاقة وثيقة، مع أكثر من أرملة، وأنه تخصص حزانى.. باكيات في أسبوعهن الأول، من أولئك اللاتي يتركن طرف قميصهن أدلع بتعمد مقصود، لكي يعوض أي رجل مكان المرحوم.
لا تعرف كيف تسير حياته الصعبة، فمهنته تلك تحتاج لتفكير عميق، وحسابات لم يكن فيها من الفالحين، ولأنه لا يحب أن يحسب، تجده كريماً في بداية الصيد، ثم يتراجع، إما بتعذره أنه نسي المحفظة في البدلة «الأرماني» أو أن بطاقته التي وصلت حدها الائتماني منذ مدة، المغنطة فيها لا تعمل كما يجب، ولا يدري السبب، وسيحادث موظفة «النخبة» في البنك والتي لا تتقن عملها.
عدو صاحب «حبالها خوص» الشابات اللاتي يعشقن الأغاني العاطفية، واللاتي يبكين بشجن في آخر الأفلام، واللاتي يحببن أن يؤسسن عائلة صغيرة، بتمنيهن دائماً ابناً يشبهه في وسامته، ساعتها يصيبه الاكتئاب على غير عادته، ويشعر بضيق في قميصه الفضفاض، والذي اشترته له واحدة منهن بعيد ميلاده الذي يحتفل به عادة كل شهرين، كمدخل لنصب جديد.
صاحبنا اشتغل مرشداً سياحياً مرة، حين تطلب منه الموقف ذلك، واشتغل مترجماً للغات لا يتقنها بثقة، هي فقط تلك الكلمات السياحية، والجاهزة من تلك الكتب التي تقول: «تعلم الألمانية في خمسة أيام، وبدون معلم»! نقلا عن الاتحاد