بقلم : أحمد الحوري
هكذا هو الماضي، له أثره الجميل في الحاضر، وصداه المتردد في المستقبل، ومن أجمل لوحات الماضي التي نراها حاضراً ونسمع صداها مستقبلاً، سباق «القفال»، الملحة التراثية البحرية الرائعة التي رسخت على مدى أكثر من ربع قرن، مشاهد رحلة العودة من الغوص، تلك الرحلة القديمة قِدم شواطئنا، وبحجم صلابة الآباء والأجداد، وتحديهم للظروف الصعبة في تلك الأيام القاسية التي تحولت إلى مدرسة قادت الأجيال لتكون عنصراً مهماً في نهضة الدولة إلى ما نراه اليوم من تطور ورقي.
عندما أطلق راعي السباق سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي وزير المالية، فكرة القفال قبل 27 عاماً، كان يهدف إلى إعادة الشباب إلى ماضي الآباء والأجداد، ويجعلهم يستذكرون شيئاً من معاناة الأجيال السابقة، وحاول ربطهم بتراث هذه الأرض، مترجماً على أرض الواقع مقولة من ليس له ماض لن يكون له حاضر أو مستقبل، فتحول الحاضر، وبشكل سنوي، إلى فرصة سانحة ودائمة لاستعادة ذلك التراث البحري العريق، واستذكار رحلات الغوص والبحث عن اللؤلؤ، أحد أهم مصادر العيش في تلك الحقبة من الزمن.
واستمر «بوراشد» في دعمه للسباق، ليس فقط برصد الجوائز المالية القيمة، بل بحضوره السنوي ومتابعته لكل صغيرة وكبيرة، تتعلق بالحدث، قبل وأثناء وبعد رحلة القفال، بل وحرص على تحويل السباق إلى مهرجان تراثي بحري كبير، يجمع في طياته كل ما يتعلق بدولة الإمارات وماضيها، وأصبح علامة بارزة من علامات الاهتمام بالتراث وتقدير الأجيال الماضية، وتكوين رسالة واضحة إلى الجيل الحالي، بضرورة التمسك بل والانتماء إلى ماضيهم قولاً وفعلاً، فذلك الماضي المشرف لابد أن يجد من يهتم به ويوصله إلى الأبناء والأحفاد، وأيضاً من يتابع خطوات الدولة، ليقول إن الإمارات ليست أبراجاً ومراكز تجارية وبنى تحية هائلة فقط، بل هي أصالة وتراث وتاريخ.
عندما يحتشد ما يقارب 120 محملاً شراعياً تضم مئات من النواخذة والبحارة، في جزيرة صير بونعير، في انتظار انطلاقة الملحمة التاريخية، والعودة إلى دبي، فهذا يدل على أن الرسالة التي أرادها سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، وصلت كما أرادها، وأثمرت عن اهتمام قطاع كبير من الشباب، وهذا هو المهم، بل وهذا الاهتمام في ازدياد مطرد من عام إلى آخر، وهنا النجاح الحقيقي لفكرة «القفال».
وفي هذه العجالة لابد كذلك أن نشيد بالمتابعة الحثيثة من سمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس نادي دبي الدولي للرياضات البحرية، وتوجيهات اللجنة العليا المنظمة برئاسة أحمد بن مسحار، بضرورة تقديم كافة التسهيلات التي من شأنها إنجاح الحدث المرتقب.