بقلم - علي ابو الريش
في الخداع، إما أن تخدع نفسك، أو تخدع الآخرين. في الأولى يعتمد على غبائك وفي الثانية، سببه غباء الآخرين.
يظن الذي يخدع الآخرين أنه ذكي، ولا يعرف أن خداعه للآخرين، يمر عبر الخرق المهترئة في عقول الآخرين، ويظن الذي يخدع نفسه أنه شخص مختلف، واستثنائي، ولذا لا بد له وأن يمرر حكايته مع النفس من دون عقبات، ولا تأنيب ضمير، لأن ما يقوم به من أفعال هي الحقيقة، وما عداها خطأ، لا بد تجنبه.
يحدث هذا في علاقات البشر ببعضهم، وما يحدث من صراع الأفكار هو جزء من خداع النفس، وما يحدث من تنافر في الحياة هو نتيجة مباشرة لخداع النفس.
المسألة متعلقة بكيفية تلقي الإنسان الصور من الخارج، فإذا كانت المرآة مكسية بالغبار، فلن يرى الإنسان نفسه على حقيقتها، وبالتالي ستكون أفكاره ملائمة لما يحدث في الداخل من ضجيج وزحام في الصور الخيالية والأوهام التي تلتصق بتلك الصور.
كل فرد منا يعتقد أنه عندما يمرر كذبة ما، أو خدعة على حساب الآخر، أنه حقق إنجازاً عالمياً، يستحق الفخر، والإعجاب، ولا يدري هذا المسكين أنه يرتكب جريمة في حق نفسه عندما يمضي بالخداع حتى يطفو على الأرض مثل قشة تذروها الموجة إلى نهاياتها.
المخادع مثل الطالب الفاشل، إنه امتهن الغش، ويظل يعيش حالة الغش إلى أن يكتشف أمره، وتلقى ورقته الامتحانية في سلة المهملات.
المخادع وقع في مكب الصور الوهمية، وغاصت قدماه في الوحل، ولا يستطيع الخروج، لأن نفسه ما زالت في مراحلها الطفولية الأولى، حيث تنشط الصور الخيالية في هذه المرحلة، وتترعرع، في أحضان شخصية لم تنضج الأنا فيها، بل إن مثل هؤلاء الأشخاص، يعيشون مرحلة مبكرة كون حياتهم يتم إشباعها أنوياً، ما يجعل الخدعة تنتصر على العفوية، وتأخذها إلى مناطق مشوبة بغبار السنوات العجاف التي عاشها هؤلاء الأشخاص، وأصبحوا مغللين بأصفادها، مكبلين بقيودها، ولا يملكون إرادة التحرر، من سطوتها، الأمر الذي يجعلهم خدام الخدعة البصرية، يأتمرون بأمرها، ولا يجدون ملاذاً غيرها، ولا غرفاً يختبؤون فيها سواها.
المخادعون، أطفال، يصدقون أكاذيب غيرهم، ويصنعون هم الأكاذيب، ويظنون أنها ستكون محل تصديق، وإعجاب.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد