بقلم - علي ابو الريش
عندما تشعر بالنقص في معلوماتك، أو قدراتك، فإنك سوف تكذب، وسوف تدافع عن كذبتك، وتصر على أنك صادق، ولا غبار على ما تفعل. إذا حضر أحدهم مجلساً ودار في هذا المجلس حوارات حول قضية ما يجهلها هذا الكائن البشري المفرغ من المعلومات التي تخص تلك القضية، فإنه سوف يخترع الكلمات، وينتج معلومة خاصة به وبامتياز، وسوف يتربع الجلسة، وسوف يفرد عضلات وهمية من فراغ ذهنيته، وسوف يصول، ويجول في محفل الأكاذيب، ويسرد قصصاً مدهشة، وحكايات مذهلة، ويغوص في بحار من اللا معرفة، ويتشدق، ويتقتق، ويتمطق، ويتطرق إلى موضوعات لا تمت إلى موضوع النقاش بصلة، وسوف يُتهم من يعترض على حديثه بالجهل، والسذاجة، ورغم ذهول الآخرين لما يجوس فيه ويلغ لسانه في سطلة الرث، فلن يعبأ، ولن يتوانى على الاسترسال في ما هو يخوض فيه، وملماً لمح على الوجوه من فتور، ازداد حماساً في صب جحيم كلامه وتضاعف أنكبابه على الموضوع إياه.
ويشعر هذا الشخص بالظفر عندما يلاحظ صمت الآخرين قد أخذ مجراه على الثغور، وترتفع منصة حديثه، مثل ارتفاع الموجة على ساحل كئيب، وبعد أن يفرغ من لهوجته، يأخذ نفساً، ثم يتلمّظ، ثم يبتسم وهو يفرقع أصابعه، ويفرك يديه، ويحملق في الوجوه الساهمة، وكأنه يبحث عن إبرة ملأى بخيوط متشابكة.
هذا الشخص يشعر بالفخر، في أنه استطاع أن ينتصر على نقطة ضعفه، حين أناخ بعير الآخرين بعصا كذبة، مرت مرور الكرام على المسامع، دون أن تصطدم بسؤال حاد يُبين الكذبة، ويوضح المرض الذي يعاني منه هذا الشخص المريض.
هكذا تنشر الكذبة، وتكبر وتتسع أفواه الكذابين، ولأنه ما من أحد يكشف الملاءة السميكة التي تخفي تحتها الكذب، وتخبئ الكذابين وتدعهم يمرون، دون عواقب، بل وتفسح لهم الطريق، كي يغزلوا أكاذيبهم بسهولة ويسر، وتجعلهم يتسلحون بالجرأة، وهم يفتحون شلالات الكذب، ويقذفون بنفايات، وقذارات في أسماع الناس، دون خجل، أو وجل، أو كلل.
هؤلاء يفعلون ما يفعلون لأن الأسماع تفتح النوافذ والأبواب، كي يمر هؤلاء مثل الغبار، وأن يؤدوا المشاعر، مثل الحشرات الضارة، وأن يصبحوا كالعناكب، تفترس كائنات الحقيقة، من دون شفقة أو رحمة، لأن هؤلاء من الكذبة، يصبحون لا شيء، ومن دون الإسقاطات، تسقط ذواتهم في عقد النقص، ويسقطون هم في وحل العدمية.
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع
نقلا عن جريدة الاتحاد