بقلم : علي أبو الريش
المقارنة صفة من صفات (الأنا) لأنها تريدك أن تكون أنت، تريد أن تعزلك، تريد أن تضعك رأس الموجة، ولكن من يضمن الموجة؟ إنها تبدو ضئيلة، وهي تتدحرج من فوق سطح البحر، وما أن تصل قريباً من الشاطئ، تصبح مثل الجبل تتكسر، وترمي بأحجاره في الوجوه، وإن لم تغرقك، فإنها تترك زبدها في عينيك فلا ترى ما أمامك. المقارنة من فعل الأنا، لأنها تريد أن تبعدك عن فطرتك، تريد أن تجعلك فرداً نائياً، وأن حبة من حبات المسبحة، إن فلت من الخيط سوف تفرط الحبات الأخرى، وتضيع أنت بحيث لا تراك العين المجردة. قد تدوسك الأقدام، ولا تراك الأعين، قد تختفي إلى الأبد. وهكذا تريدك الأنا، تريد أن تخفيك، ولا تعليك، تريد أن تعميك، بحيث لا ترى إلا نفسك. تخيل أن إنساناً يسير في الطريق، ولا يرى إلا نفسه. إنه قد يتعثر بحجر، ويقع، وقد يصطدم، بجدار، ويظن أنه عبر القارات، وهذه نهايتها. ودائماً تظن الأنا الأعظم مكانة والأجل مقدرة، والأبهى جمالاً، والأدهى جلالاً. فعندما تحضر المقارنة، فتأكد أن الأنا يجلس خلفها، ويدخن سيجارته، ويتأمل نفسه، ولا يتأمل شيئاً آخر لأنه لا يرى أي شيء غيره.
عندما تبرز المقارنة، فاعرف أن الأنا في أسوأ أحواله، يقف متفرساً، متمترساً، حارساً لأفكاره لا يتحرك عنها قيد أنملة، لأنه لا يعتقد إلا بما يختزنه من فكر ولا قبل، ولا بعد سواه.. عندما تلمع موجة المقارنة، فلابد وأن تكون الأنا قد ارتدت ملابس التنكر، ووضعت القناع وارتجفت واستبدت وسادت، وأصبحت كتلة من جحيم الأنانية، فلماذا يقع الإنسان في حومة المقارنة. ببساطة لكي يتخلص الفرد من عقدة الدونية، فإنه يلجأ إلى المقارنة ليقول لنفسه، أنا أحسن من هذا، أنا أتفوق على ذاك، وبالتالي تهرف من خوفه، ونجا من عقدته، ولكنه لم يحل مشكلة بل طواها، كما يفعل الخادم الكسول، عندما يطوي سجادة وسخة ليخفيها عن عين مخدومه، وينجو من التأنيب والتوبيخ، هو بالفعل أخفى العيب لكنه لم يزله، ولو تخيلنا كم من القذارات ستتراكم في سجادته، لو تركها هكذا مختفية بكل ما تحويها من نفايات الزمن، المقارنة عملية جراحية فاشلة، لمريض يعاني من مرض في إدراكه، عندما نفقد إدراكنا لما في داخلنا، نتجه إلى الخارج، عندما تقول إن هذا الشخص سيئ فإنك تلغي التهمة عن نفسك وتلقيها على الآخرين، عندما تقول إن هذا الإنسان أعمى، فإنك تشير إلى نفسك، ليعرف الآخرون أنك ترى. المقارنة هي إلقاء صفة القبح على الآخر لتقول إنني جميل.