إدارة الثروة فى الوراق

إدارة الثروة فى الوراق

إدارة الثروة فى الوراق

 صوت الإمارات -

إدارة الثروة فى الوراق

بقلم - عبد المنعم سعيد

كان المشهد فى قناة البى. بى. سى البريطانية الناطقة بالعربية، وفى برنامج حوارى دار بين مذيعة وعضو قيادى فى حزب «تقدمى» مصرى، والموضوع هو جزيرة «الوراق» الواقعة فى نهر نيل القاهرة. الأسماء هنا ليست مهمة، وإنما قضية التطور فى مصر، بين طرف قادم من دولة أوروبية سبقت فى التحديث و«التقدم»، وطرف آخر جاء من قلب جيل فى نزعته «التقدمية» أحلام وصور قديمة ومحافظة ونازعة إلى أن تبقى الأمور دائما على ما هى عليه طالما استعصت عودتها إلى الخلف. لم يكن فى البرنامج من التليفزيون الكثير، فلا كانت فيه مشاهد للجزيرة وواقعها الحالى والسابق حتى يمكن البرهنة والمقارنة، ولا كان فيها شىء عما سوف يأتى إليها من تغيير؛ ولم يكن فيها من بريطانيا شىء عن التطوير الذى ألح علينا فى روايات حكت عن التغييرات العمرانية فى الدولة العظمى سابقا والكبرى حاليا عبر عصور مختلفة. ما كان لدينا كان منطقا يذيع كلما حل مشروع جديد يحمل فى طياته ثروات مصرية جديدة، ويكون نفيها قائما على أنه تهديد لواقع تعيس لا ينبغى له أن يتغير لأن الفقراء و«الغلابة» مهددون فيما يملكون، وفيما جرى الاعتياد عليه من قبل فى أوقات تعيسة قامت على إدارة الفقر يجرى فيها التعايش مع العشوائيات وإهدار الثروة المصرية. جزيرة الوراق واحد من هذه الأمثلة الفاقعة على ثروة كبيرة ممثلة فى جزيرة مصرية، وبينما سبقتها جزر أخرى إلى الحداثة مثل الزمالك والمنيل، فإنها سقطت مع جزر أخرى فى العشوائية القبيحة والتى تضمن فقر سكانها إلى الأبد. الدولة المصرية على العكس طورت نموذجا مثاليا لتطوير مناطق بأكملها مثل «مثلث ماسبيرو»، يقوم على تقديم عدة فرص للمقيمين فى المقام أولها الحصول على مسكن حديث بعد الانتهاء من المشروع مع تسهيل الإقامة خلال فترة البناء، أو الحصول على تعويض عادل، أو الحصول على بديل سكنى حديث.

الطريف جاء من ممثل الحزب «التقدمى» فى البرنامج عندما طرح التساؤل الساخر عن استبعاد بديل أن يبقى من يريدون البقاء كما بقى حى «هارلم» الذى سكن فيه الفقراء من أصل إفريقى فى جزيرة «مانهاتن» حيث ناطحات السحاب والمال فى «نيويورك». وبغض النظر عن أن ذلك يخالف الحقيقة الآن وقد أصبح الحى المذكور من الحداثة والتطوير إلى الدرجة التى بات فيها مكانا لسكنى الكثير من الشركات والمؤسسات الأهلية؛ فإن الاقتراح لا يقتصر على إدارة فقر مجموعة من السكان، وإنما ضرورة حرمان سكان الجزيرة وبقية المصريين من تطوير ثروة بحيث تعد مثالا يحتذى بعد ذلك فى عشرات من الجزر النيلية والبحرية المصرية (يتراوح تقدير عدد الجزر النيلية من ١٥٥ إلى ٢٤٥، والبحرية فى البحر الأحمر وحده ٨١ جزيرة). الثابت فى كل دول العالم التى أخذت طريق التقدم أن الجزر الداخلية فيها، نهرية كانت أو بحرية، والأراضى المحيطة بالبحيرات والخلجان، تمثل ثروات عمرانية كبرى. وفى مصر وحدها، فإن الجزر النيلية نزعت إلى العيش الفقير فى زراعة مساحات صغيرة، أو الصيد القليل الحظ؛ أما البحيرات أشباه المنزلة والبرلس بات محيطها عشوائيا، وقلبها متوقف من التلوث وسوء المصير حتى جاءت فرصة الإصلاح القائمة الآن.

الحوارات التى نسمعها تقريبا مع كل مشروع تكاد تكون متماثلة، وكأنها تأتى من وعاء واحد عادة ما تبدأ أولى حججه من المنصات الإخوانية التى تطرح دائما أسئلة من نوعية لماذا الآن، ولماذا لا تكون هناك مشروعات أخرى، ومن يا ترى المستفيد؛ وكلها نوع من المزايدة مرة لأن هذا ليس مطلوبا، ثم المناقصة لأنه ليس ضروريا، دون أن يمن الله عليهم بمشروع بديل. ولكن حججه الأخرى تأتى من اليسار والليبراليون الذين ينزعون فى كل بلدان العالم إلى الحداثة والتقدم والترحيب بالوثبات التكنولوجية؛ ولكنهم فى بلادنا يذهبون دوما فى اتجاه استعادة سياسات الستينيات التى جرت فيها إدارة الفقر بسياسات الإصلاح الزراعى الذى فتت الأرض الزراعية وباتت عشوائيات، والقوانين العقارية التى دمرت الثروة العقارية المصرية وأصبحت عشوائيات هى الأخرى فى مساكن «شعبية»، وسياسات الدعم التى شوهت الاقتصاد المصرى وخفضت سقوف نموه. ما يبدو مفقودا حتى الآن فى التعامل مع هذه الحجج هو وضع جميع مشروعاتنا فى سياقها القومى، وكيف أن استغلال الجزر والبحيرات والمثلث الذهبى والمدن الجديدة والاتصالات والمواصلات والدلتا الجديدة ومحاور التنمية فى سيناء وقناة السويس والصعيد والساحل الشمالى؛ كلها تقود إلى إدارة ثروات مصر الهائلة لكى ترتفع السقوف المصرية عاليا بالقوة والمنعة والغنى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إدارة الثروة فى الوراق إدارة الثروة فى الوراق



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates