بقلم -طارق الشناوي
كل أنظار متعهدى الحفلات توجهت صوب مدينة (العلمين)، قطعًا خبر يسعد كل مصرى، عندما تشير إليها (البوصلة) وتنشط الحياة السياحية والاقتصادية أكثر فى هذه المدينة الغالية على قلوبنا، فهى إحدى مدن محافظة (مطروح)، التى خلدتها ليلى مراد فى فيلم (شاطئ الغرام)، عندما غنت (يا ساكنى مطروح جنية فى بحركم)، وكانت تقصد تحديدا شاطئ (مرسى مطروح)، من الواضح أن (الجنية) استقرت خلال السنوات الأخيرة على شاطئ (العلمين).
ارتبطت هذه المدينة، فى الذاكرة الجماعية، بالحرب العالمية الثانية بين (المحور) و(الحلفاء)، والقائدين العسكريين الأسطوريين، روميل ومونتجمرى، المفروض أن مصر نظريًا لا ناقة لها ولا جمل فى تلك الحرب، إلا أن هناك انحيازا لثعلب الصحراء الألمانى روميل، مرددا المثل الشهير (عدو عدوى صديقى)، وقطعا المقصود بعدوى هى بريطانيا، وهكذا تمنوا خسارتها، بينما واقعيا انتصر مونتجمرى، وظلت بعدها (العلمين) تعنى بالنسبة لنا مقبرة جماعية للجنود، وألغاما زرعها المقاتلون هنا وهناك أثناء الحرب، وبين الحين والآخر كنا نقرأ عن تفجير لغم عشوائى، حتى تم تطهير المنطقة تماما من أشباح الموت.
السنوات الأخيرة قدمت وجهًا مبهجًا لتلك المدينة، عشرات من الحفلات تقام هناك، إلا أنها تبدو محددة فقط لطبقة تمثل الذروة الاقتصادية فى المجتمع المصرى، وهكذا تتابع أسماء مثل عمرو دياب وتامر حسنى ومحمد رمضان وروبى وهيفاء وهبى وآمال ماهر وغيرهم، التذكرة ارتفعت إلى 10 آلاف جنيه، فما بالكم لو أضفنا إليها المواصلات والإقامة، أعلم أن القانون هو (العرض والطلب)، والوجه الشعبى له (الغاوى ينقط بطاقيته).
هل من صالح الفنان أن يقدم عمله الفنى لمن ينقط فقط بـ(طاقيته) من طبقة (كريمة الكريمة)؟، أسعار التذاكر صارت تُشكل استفزازا لقطاع عريض من الناس!!.
الفنان عندما تزيد سعر التذكرة يعتبرها دليلا عمليا على نجاحه وقدرته على الجذب، معروف أن القسط الأكبر من المطربين والمطربات لا يستطيعون مغادرة حفلات دار الأوبرا محدودة الكراسى وأيضا الثمن، إلا أن هذا لا يعنى أن المطربين العابرين لتلك المساحات من حقهم أن يرتفعوا بسقف الأسعار بدون مراعاة لأى قواعد أخرى غير (التذكرة لمن يدفع).
لصالح الفنان أن يظل على تواصل مع جمهوره، كلما ارتفع السعر ضاقت أكثر الشريحة، لو قلنا إن تعداد المصريين تجاوز فى آخر إحصاء 103 ملايين، بينما القادرون على الذهاب لتلك الحفلات مليون، أين إذن حقوق 102 مليون؟.
عندما سألوا المخرج الكبير داود عبد السيد لماذا أعلنت اعتزالك؟، أجابهم: ارتفع متوسط سعر تذكرة السينما ليلامس 100 جنيه، وهى تتجاوز القدرة الاقتصادية للطبقة المتوسطة، فتوقفت عن الإخراج.
من الذى يصنع شعبية هؤلاء المطربون؟، إنهم ولا شك الأغلبية التى لا تستطيع أن تشد الرحال إلى العلمين.
هناك قيمة تغيب عن البعض، وهى المسؤولية الاجتماعية التى يجب أن تصبح على قائمة أولويات الفنان، عندما تتجاوز التذكرة رقما على يمينه ثلاثة أصفار، فأين إذن تلك المسؤولية؟، لا مانع من أن يزداد سعر فئة محددة وتوفر لها بالمقابل إمكانيات أكبر مثل المكان الذى يقترب من خشبة المسرح وغيره، ولكن فى نفس الوقت يجب أن يجد الآخرون أيضا مكانهم.
(العلمين) التى انتقلت إليها مؤخرا (الجنية) التى لا تفرق بين غنى وفقير، يجب أن تصبح حفلاتها متاحة لكل العاشقين