عندما يصبح الهدف أسمى من الشريط السينمائى

عندما يصبح الهدف أسمى من الشريط السينمائى!

عندما يصبح الهدف أسمى من الشريط السينمائى!

 صوت الإمارات -

عندما يصبح الهدف أسمى من الشريط السينمائى

بقلم - طارق الشناوي

معضلة أو لغز الاندماج الفكرى والعاطفى والإبداعى بين شقيقين وليسا حتى توأمين تحتاج إلى دراسات متعمقة، ولدينا قطعًا أشهر أخوين هما مخترعا السينما فى العالم (لوميير) «لويس وأوجست»، وتحمل القاعة الرئيسية فى (كان) اسميهما، وتتابعت أسماء الأشقاء فى السينما (كوهين) أمريكا و(تافيانى) إيطاليا وغيرهما. بمجرد أن تتذكر فى عالمنا العربى اسم شقيقين، يصعد على الفور (الرحبانية) «عاصى ومنصور» فى مجال الأغنية، ورغم أن لديهما شقيقًا ثالثًا موهوبًا وهو الراحل (إلياس)، إلا أنه لم يشكل معهما أبدًا ثلاثية، تواجد معهما فقط بين الحين والآخر فى بعض الأعمال، وهذا يؤكد أن الأمر يتجاوز رابطة الدم إلى التوأمة الإبداعية، وهى مرحلة نادرة فى كل أوجه الفن. ويظل الأمر بحاجة إلى دراسة متأنية لنعرف بالضبط أين يكمن السر، وماذا لو تدخل القدر ورحل أحدهما أو تعثر صحيًا، مثلما حدث بين عاصى ومنصور!، فبعد رحيل عاصى استمر منصور ولكن بوهج أقل، وتلك قطعا حكاية لا يمكن إيجازها فى مقال.

أشهر أخوين حاليا فى السينما هما البلجيكيان «جاك ولوك» (داردين)، اللذان حققا السعفة الذهبية مرتين عن (روزيتا) و(الطفل)، كما حصلا على العديد من جوائز (كان) فى «السيناريو» و«الإخراج».

هذا العام شاركا فى «كان» بفيلمها المفعم بالبساطة (أتورى وروكيتا)، وهو المهرجان المفضل لهما طوال رحلتهما السينمائية، حيث أصبح المنصة الرئيسية لانطلاق أفلامهما فى أول تعارف مع الناس. أفلام الأخوين تتبع منهج الهمس، وأيضا الاقتصاد فى اختيار مفردات التعبير، والتكثيف فى اللقطات بلا أدنى ثرثرة.

أغلب أفلامهما انطلق من هذا المهرجان العريق، الذى لم يبخل أيضا عليهما ومنحهما هذا العام فى تلك الدور الاستثنائية (الماسية) الجائزة الماسية، بمناسبة مرور 75 عاما على انطلاقه عام 1946، الجائزة لائقة بالمهرجان وأيضا بالأخوين، فهى غير قابلة للتكرار.

هذا العام تميزت المسابقة الرسمية التى شارك فيها نحو 21 فيلمًا، أغلبها بالفعل تتمتع بمقومات تؤهلها للتسابق، وهكذا جاءت إضافة توصيف (الماسى) لجائزة الأخوين لتمنحها بريقا خاصا، فهى لن تتكرر بالطبع فى أى دورة قادمة للمهرجان.

قال جاك داردين على المسرح قبل تسلمه الجائزة، إنه التقط الخيط من محل خبز، عندما سأل عن إحدى العاملات، فجاءت الإجابة إنها عادت لبلدها، فهى من المهاجرين غير الشرعيين الذين يظلون فى معاناة، سواء من الدولة التى تطاردها لمخالفة القانون، أو من بعض العصابات التى تتاجر فى البشر.

(أتورى وروكيتا) اختيار ذكى للعنوان، الأول صبى لم يبلغ بعد الثانية عشرة والثانية امرأة فى بداية الشباب، عندما هاجرا من بلدين إفريقيين صارت بينهما رابطة الأخوة، أكبر حتى من رابطة الدم، يلتقطهما الأشرار الذين يعملون فى بيع الممنوع، المكان موحش ومظلم ويتم فرض السرية الشديدة على كل من يعمل به، فلا تواصل مع أحد، وغير مسموح باكتشاف جغرافية المكان تحسبًا لو تم اكتشاف شىء، فلا يصبح من يعمل معهم شاهد إثبات ضدهم ويفضح جرائمهم.

لا يهمّ بالنسبة للمشاهد هل هما حقًا شقيقان، أقصد (أتورى وروكيتا) أم لا، لأن المعاناة أكبر، كما أن التوحد الشعورى بينهما رفعهما درجة عن مرتبة أخوية فى الدماء والجينات. المخرجان (داردين) يمنحان أهمية كبيرة لفن أداء الممثل.. وكالعادة، لا يستعينان بمحترفين، بل يدفعان بمزيد من الإبداع لمن يقف أمام الكاميرا لأول مرة.. ومن أشهر أفلامهما (روزيتا)، فقد حصلت الممثلة التى كانت تقف أمام الكاميرا لأول مرة على جائز أفضل ممثلة، والفيلم حصد فى عام 97 أيضا (السعفة الذهبية).

يقدم الأخوان سينما تخفُت فيها إلى حد الشح جماليات السينما المتعارف عليها من إضاءة وتكوين وألوان، ومن النادر استخدام مثلا الرافعة (الكرين).. تجد أن الكاميرا المحمولة تسيطر، لأنها تبدو وسيلة بسيطة فى التعبير، كما أن مكان التصوير يفرض قانونه عليهما فى اختيار الزوايا، وهذا القيد يشعرك كمتلقٍ بالتجاوب أكثر مع الحالة موضوعيًا ونفسيًا، فأنت تعايشها كجزء منها، ولست مجرد مشاهد محايد تتعاطف لاشعوريًا مع الفتى والشابة اللذين نزحا من إفريقيا من أجل لقمة العيش.

المخرجان- وهما أيضا وكالعادة كاتبا السيناريو- حرصا على أن يلغيا تمامًا الإحساس بأن هناك كاميرا، كما أن بطليهما يتحركان بدرجة عالية من التلقائية.. حتى الحوار به جزء يسمح للمثلين بالإضافة.

الخضوع المطلق هو قانون تلك العصابة، والإذلال وكسر أى كبرياء محتمل لمن يعمل معهم أهم بنود هذا القانون.

نرى الشقيقين فى بداية الفيلم يقدمان معًا أغنية من التراث الإفريقى فى الملهى، ليس مهمًا أن تدرك كلماتها، فلم تتم الترجمة على الشاشة لأنها من الفولكلور، إلا أنك تستشعر النغمة وكأنها تسكن قلبك.

الأخوان (داردين) أيضا يختصران الأحداث فى أقل مساحة زمنية، وهكذا تتدفق اللقطات سريعًا دون أى ثرثرة.. وبذكاءٍ، أجاد المخرجان توظيف الأغنية (الفولكلورية) التى ردداها فى الملهى ليقدمها (أتورى) بمفرده هذه المرة أمام القاضى وهو يتابع محاكمة من قتلوا (لوكيتا).

إنها حالة خاصة فى الرؤية والروح والتتابع، ولهذا استحقت الجائزة الماسية فى عيد المهرجان (الماسى)!!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يصبح الهدف أسمى من الشريط السينمائى عندما يصبح الهدف أسمى من الشريط السينمائى



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates