يا عواذل فلفلوا

يا عواذل فلفلوا!

يا عواذل فلفلوا!

 صوت الإمارات -

يا عواذل فلفلوا

طارق الشناوي
بقلم : طارق الشناوي

حكمة التاريخ تؤكد أن المصادرة والمنع والمطاردة تظل مهما بلغ عنفها وصرامتها مؤقتة، كما تؤكد شيئاً آخر؛ وهو أن هناك دائماً حكاية متداولة، إلا أنها لا تعبر بالضرورة عن الحقيقة، التي من الممكن أن تظل ساكنة مثل اللهيب تحت الرماد، حتى يأتي يوم تنتشر فيه كالنار في الهشيم.
لديكم مثلاً أغنية فريد الأطرش الشهيرة (يا عواذل فلفلوا)، عواذل لغوياً تعني اللائم، بينما (فلفلوا) بالعامية المصرية (المكايدة). في مطلع الخمسينات؛ قرر رئيس الوزراء مصطفى باشا النحاس في عهد الملك فاروق مصادرة الأغنية، التي قدمها فريد في فيلمه (آخر كدبة)، الحجة المعلنة تعارضها مع الذوق العام، ولم يكتفِ النحاس باشا بهذا القدر، بل هاجم فريد علناً وطالبه بالارتقاء بمفردات أغانيه.
كان هذا هو المتداول، بينما الحقيقة المسكوت عنها، هي الصراع السياسي بين النحاس باشا وعلي ماهر باشا على رئاسة الوزراء، واعتبر النحاس أن الأغنية تنطق بلسان منافسه مخرجاً له لسانه.
الآن نعيش في التشابكات الحادة بين مطربي المهرجانات ونقابة الموسيقيين في مصر، المعلن هو أن أغانيهم تتناقض مع الذوق العام، بينما المسكوت عنه هو أن أغلب الحفلات العامة والخاصة صارت لا تتعامل إلا معهم، بينما المطربون الراسخون المقيدون في جداول نقابة الموسيقيين (لا حس ولا خبر) قابعون في بيوتهم.
ظلت رواية نجيب محفوظ (أولاد حارتنا) ممنوعة من التداول منذ نهاية الخمسينات رغم نشرها حلقات في جريدة (الأهرام)، والتزم أديبنا الكبير بعدم التصريح بطبعها في مصر حتى بعد حصوله على نوبل 1988، فهو لا يريد إثارة غضب المؤسسة الرسمية الدينية (الأزهر)؛ إذ ثلاثة من كبار المشايخ محمد الغزالي وسيد سابق وأحمد الشرباصي اعتبروها تمس الذات الإلهية. الرواية طبعت في بيروت وكانت النسخ تتسلل إلى مصر بعيداً عن الرقابة، ولم يوافق نجيب محفوظ على طبعها، إلا بعد حصوله على ضوء أخضر، وكتب المقدمة د. أحمد كمال أبو المجد ود. محمد سليم العوا.
تعرض نجيب محفوظ لمحاولة الاغتيال بسبب (أولاد حارتنا)، ومن قام بتنفيذ الجريمة قال في التحقيقات إنه لم يقرأ الرواية، ولكنه تلقى أمراً من أمير الجماعة، المفارقة أن أديبنا الكبير سامحه.
أحياناً توافق الدولة على عمل فني، ثم بعد مرور فترة زمنية يأتي صوت آخر من الدولة أيضاً معلناً أنه يتناقض مع الذوق العام، لديكم مثلاً عبد الحليم حافظ في أغنية (أول مرة تحب يا قلبي) التي تم تداولها نهاية الخمسينات في فيلم (الوسادة الخالية)، ولكن مع مطلع الثمانينات بحجة الذوق العام، تم حذف مقطع (لسه شفايفي شايلة سلامك - شايلة أمارة حبك ليَّ) وبعد عشر سنوات عاد المقطع المحذوف.
(السح الدح امبوه) لأحمد عدوية، انطلقت نهاية الستينات، فصارت عنواناً للإسفاف والتردي، وتعرضت للمصادرة، وبدأت التفسيرات السياسية والاجتماعية تنعتها بأنها أحد توابع هزيمة 67.
ولم يكن هذا سوى اجتهاد في التفسير، الأغنية موغلة في القدم، ولم تنجح إلا عندما رددها صوت أحبه الناس، ومن بعدها صار مستبعداً من كل أجهزة الإعلام. يمر زمن ونعتبر في مطلع الألفية الثالثة (السح الدح امبوه) نموذجاً للأغنية الشعبية الرصينة، وعدوية يحمل لقب المطرب الشعبي الكبير، مثلما صارت (يا عواذل فلفلوا) إحدى أغانينا المبهجة... الزمن يملك دائماً التصحيح وأيضاً الإنصاف، وهو أيضاً القادر إذا لزم الأمر أن يفلفل العواذل!!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يا عواذل فلفلوا يا عواذل فلفلوا



GMT 17:50 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

عودة الجغرافيا السياسية: حرب أوروبا

GMT 20:10 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

السم بالتذوق

GMT 20:03 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

مراهنات خطيرة في السودان

GMT 19:59 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الحرب الأهليّة في تأويل «حزب الله» لها

GMT 19:55 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية... الحقبة الخضراء

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates