بقلم - مشعل السديري
أمير المؤمنين (سليمان بن عبد الملك) يقال: إن رجلاً دخل عليه فقال: يا أمير المؤمنين أنشدك الله والأذان، فقال سليمان: أما أنشدك الله فقد عرفناه، فما الأذان؟ قال: قوله تعالى: (فأذن مؤذن بينهم: أن لعنة الله على الظالمين).
فقال سليمان: ما ظلامتك؟ قال: ضيعتي الفلانية غلبني عليها عاملك فلان، فنزل سليمان عن سريره ورفع البساط ووضع خده على الأرض وقال: والله لا رفعت خدي من الأرض حتى يكتب له برد ضيعته، فكتب الكتاب وهو واضع خده على الأرض ولما سمع كلام ربه الذي خلقه وخوله في نعمه خشي من لعن الله وطرده، رحمه الله.
كما دخل (يزيد بن أبي مسلم) - وهو خادم الحجاج وكاتبه - على سليمان بن عبد الملك، فقال: على امرئ أوطاك وسنه وسلّطك على الأمة لعنة الله، فقال: يا أمير المؤمنين إنك رأيتني والأمر مدبر عني ولو رأيتني والأمر مقبل عليّ لعظم في عينك ما استصغرت مني، قال: أتظن الحجاج استقر في قعر جهنم أم هو يهوي فيها؟ قال: يا أمير المؤمنين إن الحجاج يأتي يوم القيامة بين أبيك وأخيك، فضعه من النار حيث شئت.
وحيث إن أمير المؤمنين سليمان يحب اللباس الحسن، خرج يوم الجمعة في ولايته وتعطّر ودعا بمجموعة من العمائم المتنوعة، وبيده مرآة، فلم يزل يعمم بواحدة بعد واحدة، حتّى رضي منها واحدة فأرخى من سدولها وأخذ بيده مخصرة وعلا المنبر ناظراً في عطفيه، وخطب خطبته التي أرادها فأعجبته نفسه، وعندما رجع إلى قصره، أخذ يقول: أنا الملك الشاب، السيّد المهاب، الكريم الوهّاب، فسمعته إحدى جواريه وتعجب هو من نظراتها التي لم يستسغها فسألها قائلاً: كيف ترينني؟ قالت: أراك منى النّفس لولا ما قال الشاعر:
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى غير ألا بقاء للإنسان
ليس فيما بدا لنا منك عيب يا سليمان غير أنّك فان
فدمعت عيناه وخرج على الناس باكياً، فلمّا فرغ دعا بالجارية، فقال: ما دعاك إلى ما قلت لي؟ قالت: والله ما رأيتك اليوم ولا دخلت عليك، فأكبر ذلك ودعا بقيّة جواريه فصدّقنها في قولها، فراع ذلك سليمان ولم ينتفع بنفسه، ولم يمكث بعد ذلك إلا مدّة قصيرة حتّى توفّي.
رحمه الله وهو: الخليفة الأموي السابع، ومدة خلافته لا تتجاوز السنتين وسبعة شهور.
ولا أملك إلا أن أقول: كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.