أميركا ثورة سجناء النظام ضد حراسه

أميركا... ثورة سجناء النظام ضد حراسه

أميركا... ثورة سجناء النظام ضد حراسه

 صوت الإمارات -

أميركا ثورة سجناء النظام ضد حراسه

بقلم - إميل أمين

في مقابلته الأخيرة مع وكالة «أسوشييتد برس»، قال الرئيس بايدن، إن «الأميركيين محبطون حقاً»، بعد سنوات من الجائحة والانقسام السياسي، وقد جاء قرار المحكمة الأميركية العليا بإلغاء قانون الإجهاض، لينقل الأميركيين من مستوى الأزمات إلى دائرة الصراعات، إن لم يكن الأسوأ لم يأتِ بعد، متمثلاً في المواجهات الأهلية، وصيحات تفكيك الاتحاد، وعلى غير المصدق أن يراجع أصوات من الحزب الجمهوري، تطالب بانفصال ولاية تكساس.

هل أميركا في أزمة مصيرية تتجاوز التضخم على خطورته، والكساد رغم بشاعته، وما خلفته جائحة فيروس «كوفيد»؟
المؤكد أن هناك خطوطاً حمراء تجاوزتها الأزمة الأميركية، وبات التماس القابل للاشتعال جاهزاً بين من يسميهم المؤرخ الأميركي الكبير، هوارد زن، حراس النظام، الذين لا يتعدون الـ1 في المائة من سكان البلاد من جماعات الواسب، أي البيض البروتستانت الأنغلوساكسون، وبين سجناء النظام الذين يبلغون نحو 99 في المائة من تعداد الأميركيين.
تبدو أميركا اليوم في حالة من التشارع الآيديولوجي، والتصارع الدوغمائي، بشكل ينذر بخطر رهيب قائم وقادم، وما يزيد من المخاوف التناقض الكامن في البنية التكتونية للسلطات الأميركية الثلاث؛ فقد رأينا محكمة عليا توجهها يغلب عليه الطابع اليميني المحافظ، وربما قريباً يضحى متشدداً إلى أقصى حد ومد، في حين الأغلبية في الكونغرس تميل لجهة اليسار، أما البيت الأبيض فيعرج بين الجانبين، ومن غير قدرة خلاقة على قيادة المشهد الداخلي، ناهيك عن الخارجي؛ ما يجعل أميركا تتساءل صباح مساء كل يوم عن المنقذ.
في رؤيته للتاريخ الشعبي للولايات المتحدة، يخبرنا هوارد زن، أنه عبر التاريخ الطويل، ظل العداء العميق بين التسعة والتسعين والواحد في المائة، وهو العداء الذي حاولت حكومات الولايات المتحدة والصفوة الغنية المتحالفة معها – من الآباء المؤسسين إلى الآن – منع حدوثه.
أكثر ما كان يخشاه الرئيس الأميركي الرابع، جيمس ماديسون (1809 - 1817)، والمنتمي في ذلك الوقت إلى الحزب الجمهوري الديمقراطي، قبل أن يحدث الانفصال بينهما، هو الشقاق بين صفوف الأميركيين أنفسهم، وقد كان غالب أمله أن يستطيع الدستور الجديد التحكم في ذلك؛ ولذا قام هو ورفاقه بوضع عبارات في مقدمة الدستور من قبيل «نحن الشعب...»، متظاهراً بأن الحكومة الجديدة تقف بجانب الجميع، وكان يأمل أن تُقبل هذه الخرافة بوصفها حقيقة، وأن تضمن تحقيق الهدوء الداخلي.
اليوم، وبعد نحو مائتي عام من رحيل ماديسون، يتصاعد التوتر مرة جديدة، ولا تفلح كل الرموز اللفظية من عينة الالتفاف حول العَلَم، والديمقراطية فوق جبل، ومقتضيات الدفاع القومي، وحماية المصالح الوطنية، وصيانة الأمن الداخلي... لا تفلح في مداواة الخلل الهيكلي في التكوين المجتمعي الأميركي... لماذا؟
يمكن للجواب أن يمضي على مسارين:
الأول: موصول بأدوات الدولة الأميركية، الظاهر منها والخفي، وكلاهما يكاد يشهر إخفاقه، فالدولة الأميركية العميقة التي تنبأ بها جورج أورويل في رائعته «1984» من خلال الأخ الأكبر الذي يسيطر على أفراد المجتمع عبر شاشات التلفاز، لم تعد فاعلة، وباتت وسائط التواصل المجتمعي قادرة على تشكيل وعي مغاير ونشوء وارتقاء جماعات وسط سجناء النظام، لا تخضع لسيطرة حراس النظام.
كما أن الدولة التي تستخدم التقنية الحيوية لتشريح المجتمع والسيطرة عليه، كما في رواية الكاتب والفيلسوف الإنجليزي، آلدوس هكسلي، فشلت في مواجهة تغيرات العقود الأخيرة، لا سيما في ظل ما يسميه فرانسيس فوكاياما الانهيار البيئي والفيروسات الخارجة عن مركز الصدارة.
ترى هل تقترب الولايات المتحدة من مرحلة الديستوبيا، أي المدينة الفاسدة؟
المتابعون لاستطلاعات الرأي الأخيرة على بعد أربعة أشهر من انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، حيث جميع التوقعات تؤشر إلى هزيمة واضحة للديمقراطيين ونصر مؤزر للجمهوريين، وكبروفة لانتخابات الرئاسة 2024، يدركون أن هناك حالة رفض تتصاعد في أعلى عليين للرموز التقليدية للحزبين، سواء كان بايدن ممثلاً عن الديمقراطيين، والذي يتحدث هو والبعض من فريقه عن ترشحه مرة أخرى للرئاسة القادمة، أو ترمب إذا عاد مرة جديدة كوجه جمهوري، سيما أنه بات، كما يقال في الأدبيات الغربية، كـ«صانع الملوك» في انتخابات الولايات عبر دعمه مرشحي الحزب الجمهوري للكونغرس... لماذا هذا؟
الجواب واضح جداً؛ إذ تشعر طبقة سجناء النظام، بأنها غير مؤمنة، لا سيما أن حراس النظام وبطريقة ينقصها التعقل، مدفوعة برغبة جامحة في تحقيق الربح فقط، وبناء ناطحات سحاب لشركات التأمين، في الوقت الذي تحتضر فيه المدن وتتهالك البنية التحتية للبلاد.
أكثر من ذلك، أنه في حين تنفق أميركا نحو مائة مليار دولار على برنامج الصاروخ الفضائي أرتيميس، يفتقد الرضع في الداخل للحليب، والصبيان لملاعب الكرة، وتبدو الرأسمالية المتوحشة وكأنها لم تقدم شيئاً للطبقة الأميركية الفقيرة، وحالياً تواجه الفشل مع الطبقة المتوسطة.
يوماً تلو الآخر وفي ضوء التفاقم المتزايد للمشاكل، أدبية ومادية، يضحى الشعب الأميركي مستعداً للمطالبة، ليس فقط بقوانين إصلاحية أو بإعادة تنظيم لأوراق اللعب، كما الحال مع فكرة مراجعة هيكلية المحكمة العليا وتعيين قضاتها، بل بتغيير جذري جديد، لا أحد يمكن أن يتنبأ بسقفه.
جرت العادة في أوقات الشدة والأزمات، أن يتطلع الأميركيون إلى شخص ما يأتي لإنقاذهم، تمثل هذا الشخص في الآباء المؤسسين في أثناء فترة الثورة، وفي لنكولن في زمن العبودية، وروزفلت إبان الأزمة الاقتصادية، وفي كارتر أوان أزمة فيتنام وفضيحة ووترغيت.
من قادر على إنقاذ أميركا اليوم من المواجهة الدموية القادمة لا محالة بين حراس النظام الأميركي وسجنائه؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا ثورة سجناء النظام ضد حراسه أميركا ثورة سجناء النظام ضد حراسه



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates