استراتيجية الأمن الأميركية تناقضات جوهرية

استراتيجية الأمن الأميركية... تناقضات جوهرية

استراتيجية الأمن الأميركية... تناقضات جوهرية

 صوت الإمارات -

استراتيجية الأمن الأميركية تناقضات جوهرية

بقلم - إميل أمين

في الثاني عشر من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، أصدر البيت الأبيض استراتيجية جديدة للأمن القومي الأميركي، وتعد الأولى من نوعها في زمن إدارة الرئيس بايدن.
National Security Strategy هي وثيقة يعدها دورياً الفرع التنفيذي بحكومة الولايات المتحدة للكونغرس، وتحدد الاهتمامات الرئيسية للأمن القومي للدولة، وكيف تخطط الإدارة للتعامل المستقبلي، وعادة ما تتسم بالعمومية، ولا تخوض في التفصيلات، ويعتمد تنفيذها على الإرشادات التفصيلية المرفقة في وثائق داعمة.
تبدو الوثيقة الجديدة التي طلبها الكونغرس متماهية مع سياسات الرئيس بايدن حتى الساعة، فمن الواضح أن طروحات أميركا الانعزالية التي ارتفعت في زمن إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، قد توارت، وعادت من جديد رؤى أميركا كقيادة استثنائية، واصطفاء رباني كمدينة فوق جبل.
تظهر القراءة الأولية لاستراتيجية الأمن القومي الأميركي وكأنها عودة مقنعة بصورة أو بأخرى لتيار المحافظين الجدد، تنظيرياً على الأقل، وذلك من خلال محاولة متجددة لبسط الهيمنة والسيادة الأميركية على العالم، إلى أقصى حد ومد، وبنوع خاص عبر بناء تحالفات من أجل ما تسميه الوثيقة «التنافس بفاعلية خلال العقد القادم».
تعود مفردات الوثيقة إلى فكرة أميركا الطهرانية، تلك التي ينتظرها عقد من النضال لتحقيق قيم الحرية والديمقراطية، وتشجيع العالم على المزيد من الانفتاح.
غير أن أول تناقض جوهري في روح الوثيقة، يتجلى في خطوط وخيوط المقدمة التي كتبها الرئيس بايدن، وإنْ شئت الدقة فقل التي كُتبت له من قبل عقول الدولة الأميركية العميقة، وتكاد تقترب من الفكر الشمولي، وادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة.
على سبيل المثال تقول بعض السطور: «في جميع أنحاء العالم، الحاجة إلى القيادة الأميركية كبيرة كما كانت في أي وقت مضى، كما أن الولايات المتحدة، في خضم منافسة استراتيجية لتشكيل مستقبل النظام الدولي».
يعن لنا التساؤل مخلصين طرح الأسئلة والبحث عن الإجابات: «من الذي قرر حاجة العالم للقيادة الأميركية... هل جرى اقتراع أممي، أم أنه وهم أميركا سيدة قيصر مالئة الدنيا وشاغلة الناس؟».
باختصار غير مخل، تبدو معركة واشنطن في طريق حفاظها على القطبية العالمية وبشكل منفرد، قائمة وقادمة على محورين استراتيجيين، وما خلا ذلك في الوثيقة تفاصيل وتبعات:
الأول يتناول روسيا، التي تشكل بحسب صناع القرار الأميركي من خلف الكواليس، تهديداً فورياً لا لواشنطن فحسب، بل للنظام الدولي الحر والمفتوح، و«تنتهك بشكل متهور القوانين الأساسية للنظام الدولي اليوم، كما أظهرت حربها العدوانية الوحشية ضد أوكرانيا»... وذك كما جاء في المنطوق الأميركي الاستراتيجي.
الثاني موصول بالصين، التي تعتبرها الوثيقة الأحدث المنافس الوحيد الذي لديه نية لإعادة تشكيل النظام الدولي، وبشكل متزايد القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية التي تسعى لتحقيق هذا الهدف.
حاول كُتّاب الاستراتيجية إضفاء روح السلمية على الدور الأميركي حول العالم، كالقول: «إن واشنطن تعلن أنها مع خفض التصعيد والتوترات حول العالم، وأنها تؤيد الحلول السلمية للنزاعات كما تعارض تشكيل التكتلات... هل لهذا الحديث نصيب من الصحة؟».
الممارسة العملية والواقع الفعلي يخبراننا بأن الأمر مغاير بالمرة، وعلى غير المصدق أن يولي وجهه شطر الأزمة الروسية - الأوكرانية، حيث تتابع أميركا صب الزيت على نار المعركة بهدف إلحاق شر هزيمة بـ«القيصر» بوتين، ولولا قناعة من خوف اشتباك نووي، لكان جنود العم سام على الأراضي الأوكرانية اليوم ومنها إلى الداخل الروسي غداً، لكن موسكو ليست بغداد أو مقديشو.
وفيما يخص التكتلات، فإن واشنطن بايدن، هي من سعت لخلق تكتلات بمسحة عسكرية مثل «أوكوس»، في مياه المحيط الهادي مع أستراليا، وتالياً أقدمت على بلورة تجمعات أخرى كجماعة «كواد»، التي تتستر برداء تحالف الديمقراطيات، فيما القاصي والداني يدرك أنها ليست سوى ستار لعسكرة المشهد الدولي، ويبقى القاسم الأعظم المشترك للتكتلين هو مجابهة روسيا في الحال، والاستعداد للمواجهة القادمة مع الصين قطعاً في الاستقبال.
إن نظرة معمقة لبواطن استراتيجية الأمن القومي الأميركية الأخيرة تقودنا إلى استنتاج بدهي، يفيد بأن الأميركيين يتخذون من قضايا العالم المثيرة للخلاف وصراعاته تكأة لوضع أيديهم على مقدرات السياقات الدولية، وادعاء قدرتهم على حلها، بينما الحقيقة تبدو في خبايا المشاهد، وهي استغلال الأزمات لمصلحتهم، وعلى غير المصدق أن يرى ما يجري في أوروبا اليوم، فقد وضعتها واشنطن في مواجهة مدافع الكرملين، وحين أعوزت شعوب أوروبا لغاز العم سام، كانت الفاتورة المقترحة مضاعفة أربع مرات، ما يؤكد صحة مقولة ونستون تشرشل أن أميركا تفعل دوماً الشيء الصحيح، لكن بعد عشرات وربما مئات المرات من الإخفاقات التي تضع العالم في فوضى عارمة.
اللهجة الفوقية في كلمات الرئيس بايدن عن أميركا التي لن تترك مستقبلها عرضة لأهواء من يسميهم «الذين لا يشاركوننا رؤيتنا لعالم حر ومنفتح ومزدهر»، تدفعنا في طريق علامة استفهام عما إذا كانت واشنطن قادرة بالفعل على توجيه دفة العالم المعاصر أم لا؟!
تبدو هناك مفارقة عميقة بين يقين بايدن بأنه لا توجد دولة في وضع أفضل للقيادة بقوة وهدف من الولايات المتحدة، وبين الواقع المتجلي عبر مشهدين:
الأول جرت به المقادير على أراضي «جزر سليمان»، والتي أخفقت واشنطن بالتهديد أو الوعيد في جعلها موطئ قدم لبحريتها العسكرية في مواجهة الصين.
والثاني موقف دول «أوبك بلس»، الساعية لخفض إنتاج النفط وبما يتسق ومصالح شعوبها الاقتصادية، حيث انتصرت الإرادة الوطنية في مقابل الرؤى البراغماتية غير المستنيرة والنرجسية التي لا تغيب عن أعين أحد.
هل هي استراتيجية أفول القطبية والهرب من حكمة إلهية مفادها أن «تلك الأيام نداولها بين الناس»؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استراتيجية الأمن الأميركية تناقضات جوهرية استراتيجية الأمن الأميركية تناقضات جوهرية



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates