باريس ــ الرياض شراكة استراتيجية حاضرة ومستقبلية

باريس ــ الرياض... شراكة استراتيجية حاضرة ومستقبلية

باريس ــ الرياض... شراكة استراتيجية حاضرة ومستقبلية

 صوت الإمارات -

باريس ــ الرياض شراكة استراتيجية حاضرة ومستقبلية

بقلم - إميل أمين

من صقيع أوروبا الإيكولوجي، وشتائها الديموغرافي، بحثاً عن الدفء والحيوية، ومن فرنسا التي تبدو أنها تعاني مثل بقية دول الاتحاد الأوروبي من حالة القلق الجيوسياسي المعاصر، إلى المملكة العربية السعودية، حيث الديناميكية تجري في العروق، والمستقبل يرسم علامات رضا على الشفاه، حلَّ الرئيس إيمانويل ماكرون، ضيفاً على بلاد الحرمين الشريفين، في زيارة دولة استثنائية، تحتاج إلى أحاديث تتجاوز المساحة المتاحة للكتابة.

«زيارة استثنائية»، هكذا وصف مصدر رئاسي فرنسي رحلة الأيام الثلاثة لسيد الإليزيه، والوفد الرفيع المستوى، العالي الجودة، من كبار التكنوقراط الفرنسيين، إلى الرياض، ولعل فرادتها ترجع إلى أنها تتزامن مع الرغبة المتبادلة في رفع مستوى الشراكة بين الدولتين الكبريين إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»، عبر خطة عشرية، تتضمن مد الجسور في الكثير من المجالات الحيوية من السياسة إلى الاقتصاد، وتطوف عبر الطاقة والنقل، لتنتقل إلى الثقافة والسياحة، ما يفيد، قولاً وفعلاً، بأنها خطة لطموح ثنائي بين قطبين، من دون تهوين أو تهويل، عربي خليجي شرق أوسطي، بازغ بثبات وحكمة، وآخر أوروبي عريق، ضارب جذوره في عالم السياسة والتنوير، والمواقف الوطنية.

الحديث عن المملكة العربية السعودية في هذا التوقيت، يعني الإشارة إلى قوة ديناميكية سياسية، تلعب دوراً عقلانياً في مقاربات الأمن والاستقرار، على مستوى إقليمي، قلق ومضطرب من جهة، وعلى صعيد عالمي، تبدو فيه الخطوب مضطربة، والرؤوس ساخنة، والجميع يكاد يتوقع القارعة بين الفينة والأخرى.

يزور ماكرون السعودية، وقد باتت مقصداً للشركاء الدوليين، لا سيما الساعين في طريق السلام، ذاك الذي بات عزيزاً، ومن جانب آخر، تحتل رؤى التنوير لاستراتيجية 2030 بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مكانة متقدمة على خريطة الاستثمار العالمية، بما في ذلك التقليدي منه والمبتكر.

نجاحات الزيارة يمكن بلورتها في ثلاثة محاور استراتيجية، الأول يتعلق بالاقتصاد، والثاني بالسياسة، في حين الثالث موصول بحالة كوكب الأرض، وأزماته المناخية.

اقتصادياً ينظر ماكرون إلى السعودية على أنها «حجر الزاوية» في المنطقة، ولهذا يدعو ويشجع رجال وسيدات الأعمال الفرنسيين للاستثمار في المملكة، حيث نفوذها يمتد من الخليج العربي إلى الدول الغربية وأفريقيا.

رؤية الرئيس الفرنسي ليست وليدة اليوم، بل نتاج لمسيرة طويلة من العلاقات الفرنسية - السعودية، زخمتها ودعمتها زيارات ولي العهد لفرنسا في عامي 2022، و2023، ولهذا تشهد العلاقات الاقتصادية بين البلدين تطوراً مطرداً مدعوماً بروابط سياسية قوية بين قيادتي البلدين، وبتقارب في الرؤى الجيوسياسية في أزمنة متغيرة ومتسارعة الخطى عولمياً.

المحور الثاني في هذه الزيارة، يتمثل في التوافقات حول الملفات الساخنة والملتهبة، لا سيما على صعيد الحرب الدائرة في غزة، والرغبة المشتركة في وقف إطلاق النار، والتهدئة، عطفاً على الملف اللبناني، حيث تعد فرنسا الراعي السياسي الأول للبنان منذ نهاية الانتداب وحتى الساعة، بينما السعودية مثلت قبل اتفاق الطائف وبعده، ركيزة رئيسية في السعي لضمان السلم الأهلي في بلد الأرز، ولم تقصر يوماً بتقديم العون الأدبي والسياسي، قبل المادي، بجانب الدفاع عن فكرة العيش المشترك، ورفض كل أشكال التطرف والتحزب التي قادت لبنان إلى الدرك الأسفل الحالي.

في القلب من النتائج الاستثنائية لهذه الزيارة، يمكن الإشارة إلى إعلان ماكرون عن أنه والأمير محمد، سيترأسان مؤتمراً حول إقامة دولة فلسطينية في يونيو (حزيران) المقبل.

هذا أمر مهم للغاية، ويكتسي فاعلية وقوة من كون الإليزيه كان ولا يزال الصديق الأقرب والجار الأكبر للعالم العربي، وليس سراً أن نجاحات أوسلو جاءت بناءً على دعوة فرنسية، من وراء العم سام، للتواصل الفلسطيني - الإسرائيلي المباشر.

يعد ماكرون بأن فرنسا، في الأشهر المقبلة، ستعمل على مضاعفة مبادراتها الدبلوماسية، ودمجها لجلب الجميع في إطار هذا المسار.

فرنسا اليوم، ومن جديد تمثل قلب أوروبا النابض سياسياً، ويكفي أن يراجع المرء تصريحات ماكرون في قمة بودابست في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ليدرك أن باريس باتت رأس الحربة الأوروبية، وأن بلدان الاتحاد الأوروبي تبدو الآن الأكثر سمعاً لماكرون، بسبب التطورات أو إن شئنا الدقة قلنا التدهورات الحادثة بالقرب منها شرقاً في آسيا الملتاعة من التهديدات الروسية بالنووي، وغرباً من سيد البيت الأبيض الجديد المقبل بالتهديد والويل والثبور للشرق أوسطيين أول الأمر، وغالباً بسياساته التي تقلق الأوروبيين وفق كايا كالاس منسقة الشؤون الخارجية الجديدة في الاتحاد.

المحور الثالث في الزيارة يشمل التعاون في الطاقة النظيفة مثل الهيدروجين، وفي العلوم والمبتكرات حيث الذكاء الاصطناعي، ثم التوجه معاً إلى العلا، حيث المشروع الحضاري السعودي بتعاون فرنسي، ما يدخل المملكة في عالم اقتصاد الابتكار لا الريعي النفطي فحسب.

باريس - الرياض، شراكات أحلام تتحقق بالفعل، بفضل قادة يفكرون بعزم ويعملون بحزم، بهدف خدمة أوطان مستقرة، وشعوب آمنة مستمرة في عيشها الإنساني الواحد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

باريس ــ الرياض شراكة استراتيجية حاضرة ومستقبلية باريس ــ الرياض شراكة استراتيجية حاضرة ومستقبلية



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates