واشنطن ـ طهران لا مبالاة غير استراتيجية

واشنطن ـ طهران... لا مبالاة غير استراتيجية

واشنطن ـ طهران... لا مبالاة غير استراتيجية

 صوت الإمارات -

واشنطن ـ طهران لا مبالاة غير استراتيجية

بقلم - إميل أمين

وسط الصخب الروسي - الأوكراني الأخير، تتراجع الاهتمامات بالملف الإيراني -دعائياً على الأقل- إلا من أصحاب الرؤى الثاقبة، من قلب الولايات المتحدة عينها، الذين يتساءلون في قلق أقرب إلى الحيرة، عن حالة اللامبالاة غير الاستراتيجية -إن جاز التعبير- لموقف واشنطن مما يجري في طهران.
حديث اللامبالاة بادر إليه المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، روبرت ساتلوف، قبل أيام، عبر مقال مطول، يحمل القارئ على الشك في الأهداف الحقيقية وراء الصمت الذي ران مؤخراً على إدارة الرئيس جو بايدن، وهو يتابع البيانات الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بشأن حصيلة تخصيب إيران لليورانيوم، وقد بلغت نحو أربعة آلاف كيلوغرام، منها 55.6 كيلوغرام وصل تخصيبها إلى نحو 60 في المائة، ولا تحتاج إلا لبضعة أسابيع لتصل إلى تخصيب 90 في المائة، ومن ثم تتحول بسهولة ويسر إلى سلاح نووي.
من نافلة القول أن تلك الأرقام ربما أعلى من ذلك؛ لا سيما أنه منذ عام ونصف عام تقريباً، لا يوجد تفتيش فاعل على مواقع إيران النووية المعلنة، أما المغرقة في السرية، والمتخفية في الجبال والكهوف وشقوق الأرض، فحدِّث عنها ولا حرج، ومنها ثلاثة مواقع ترفض طهران تقديم تفسيرات بشأن وجود يورانيوم مخصب فيها، ويمتد الرفض إلى المطالبة بعدم مناقشة أمرها في أي اتفاقية نووية قائمة أو قادمة.
يبدو المشهد الأميركي تجاه إيران -في تقدير ساتلوف- أقرب ما يكون إلى نوع من الخنوع الذي لا يليق بدولة عظمى. فقد قبلت واشنطن في زمن إدارة ديمقراطية مرتبكة وقلقة وغير قابضة على جمر قرارها بيدها، السماح لإيران بالاحتفاظ بأجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي صنعتها في المخازن من دون استخدام، وهو شأن –حُكماً- لن يلتزم به الملالي، ناهيك عن آمالهم وأحلامهم في فك الحظر عن مليارات الدولارات المجمدة، قبل أن يُسمح بتصدير النفط الذي تعود غالبية أرباحه إلى «الحرس الثوري» بشكل مباشر.
لماذا تتلاعب طهران بواشنطن، وتعمد إلى تأجيل التوصل إلى اتفاق جديد؟
يمكن القطع بأنها تغزل على متناقضات تراها واضحة وضوح الشمس في ضحاها، إذ تدرك عمق المأزق الذي تواجهه الإدارة الأميركية الحالية بسبب تطورات المشهد الروسي، وكيفية التصرف بعد ضم القيصر أربع مناطق أوكرانية لحدود بلاده، وهل ستتصرف واشنطن حسب القوة الناعمة، أم ستجد نفسها مجبرة على التفاعلات الخشنة؟ وفي الحالين، سيكون الدخول في معركة مع طهران أمراً معطلاً، حتى وإن كانت المعركة دبلوماسية.
إيران تنتظر نتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وتمنِّي نفسها بهزيمة ساحقة ماحقة للديمقراطيين، الأمر الذي قد يدفع بايدن وأركان حكمه لتقديم مزيد من التنازلات، علَّ الأمر يُحسِّن من صورته في أعين الأميركيين، ويجنب حزبه ضربة قاتلة في انتخابات الرئاسة 2024.
عطفاً على ذلك، تدرك إيران أنها تحصلت على تقنية تكنولوجية وعلمية متقدمة، لا يمكنها التراجع عنها بسهولة، وبخاصة في ظل انعدام فاعلية العقوبات الاقتصادية، بعد أن وجدت طهران أسواقاً آسيوية تستوعب إنتاجها.
مأزق الجانب الأميركي يتبدى بصورة واضحة في كون مزيد من تضييق الخناق على إيران يدفعها دفعاً مباشراً، ومن غير التفاف على التضاريس السياسية والجغرافية، للارتماء في أحضان موسكو وبكين، ومن ثم نشوء وارتقاء محور جديد للشر، ذاك المصطلح الذي توارى لفترة عن أدبيات الساسة في الداخل الأميركي.
لا تبدو توصية ساتلوف ناجعة في إثناء طهران عن سعيها؛ إذ يطالب بالتهديد بإلغاء حقها في التخصيب من الأصل، وكأن إيران سوف تستجيب دفعة واحدة حال لوَّحت واشنطن بذلك، فالأمر تجاوز التهديد والوعيد.
من أفضل العقول التي قرأت حقيقة المشهد الإيراني مؤخراً، الدبلوماسي رفيع القدر دنيس روس الذي أقر مؤخراً بأن السياسة التي انتهجتها إدارة بايدن لم تنجح؛ بل ربما أتاحت الفرصة لإيران لتعظيم مكتسباتها النووية، لا لتقليص فرصها. ويستشهد بتصريحات رافايل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفيها أن «البرنامج النووي الإيراني يتقدم بسرعة».
وبينما تتسارع منجزات إيران النووية، تكتسي خططها التقليدية بأثواب من القوة التي تكشف رغبتها في بسط نفوذ وسيادة بأدوات غير نووية، وليس أدل على ذلك من الطراد الذي أطلقته في الخامس من سبتمبر (أيلول) الماضي، ويحمل اسم «سليماني»، وهو الأول من بين ثلاثة طرادات «كورفيتات»، مجهزة بصواريخ متقدمة، ولها ميزات تَخفٍّ محتملة.
وبحسب علي رضا تنكسيري، قائد القوات البحرية لـ«الحرس الثوري» الإيراني، سيزيد هذا الطراد من مدى عمليات القوة البحرية خارج الخليج العربي، إلى مسافة تبلغ 9000 كيلومتر التي تغطي المحيط الهندي بأكمله، وصولاً إلى كيب تاون.
ماذا يعني ذلك؟
باختصار غير مُخِل: هناك محاولة إيرانية نووية وتقليدية، تسعى لبلورة قوة عظمى في الجوار، وتسعى للتمدد حتى حدود الأطلسي، عطفاً على تحولها لمورد أسلحة لأقطاب كبرى، مثل روسيا التي زودتها إيران بمُسيَّرات فاعلة في مواجهتها لأوكرانيا، وكأن الزمن يعكس دفة حركته!
دنيس روس يقطع بأن التهديد الأميركي باستخدام القوة هو وحده الذي سيمنع النظام الإيراني من تجاوز عتبة الأسلحة النووية.
السؤال هنا قبل الانصراف: «هل واشنطن راغبة ثم قادرة على تحمل تكاليف هذا الخيار؟ ثم الأخطر: ما تكاليف لا مبالاتها غير الاستراتيجية، إن طال صبرها الاستراتيجي المزعوم الذي انقضت مدة صلاحيته في ظن كثيرين؟إلى قراءة مكملة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن ـ طهران لا مبالاة غير استراتيجية واشنطن ـ طهران لا مبالاة غير استراتيجية



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates