تشارلز الثالث فسحة أمل إيمانية وحضارية

تشارلز الثالث... فسحة أمل إيمانية وحضارية

تشارلز الثالث... فسحة أمل إيمانية وحضارية

 صوت الإمارات -

تشارلز الثالث فسحة أمل إيمانية وحضارية

بقلم - إميل أمين

من على شرفة قصر سان جيمس في لندن، أعلنت المملكة المتحدة، تشارلز الثالث ملكاً للبلاد، ومساء الجمعة الفائت، وللمرة الأولى منذ سبعين سنة، علا النشيد الوطني البريطاني بصيغة «غود سيف ذا كينغ» (فليحفظ الله الملك)، وذلك في كاتدرائية سان بول، وفي ختام مراسم دينية تكريماً لملكة بريطانيا الراحلة، إليزابيث الثانية.
يصف السير هوغو فيكرز، كاتب السير الملكية، شخص الملك تشارلز الثالث، بأنه رجل مثقف، ثقافة عضوية، وتقول صحيفة «التايمز» البريطانية، إنه صاحب إيمان عميق، لا ينفك يمارس الشعائر والطقوس الدينية، صباح كل يوم أحد، حتى وإن كان خارج البلاد، إيمانه عميق وصادق.
على أن جزءاً آخر مثيراً في حياة ملك إنجلترا الجديد، يتمثل في أنه أمضى حياته في استكشاف أديان توحيدية، ومذاهب وضعية أخرى، فقد انفتح على الهندوسية، وقرأ كثيراً في البوذية، أما الإسلام وحضارته وثقافته، فقد ربطته بها علاقة خاصة منذ زمان وزمانين.
طوال سنوات ولايته للعهد، التي طالت لبضعة عقود، دافع تشارلز عن فكرة الدين والإيمان، ووقف طويلاً في وجه موجات الإلحاد المعاصر بكل درجاتها، من عند العلمانية الجافة، إلى اللاأدرية المتكلسة، ومن أكثر عباراته تأثيراً قوله، إن الناس ظلوا يقاتلون حتى الموت بسبب الصراع من حول الأديان والإيمانيات المتباينة، الأمر الذي يعد مضيعة لطاقتهم، في حين أن الروحانيات برمتها تهدف للوصول إلى هدف سام نهائي واحد.
يدهش المرء من قراءة رؤى تشارلز الروحانية، لا سيما في ظل أطر غربية، سحقتها المادية، واستلبت منها قدرتها على التحليق في آفاق التجليات العلى، هناك حيث الإنسان مدعو لأن يكون خليفة الله في الأرض، وليس ترساً في ماكينة رأسمالية متوحشة، أو من قبلها شيوعية ممسوخة.
عُرف تشارلز بولعه بالحضارة العربية، وكثيراً ما أشار إلى فخره بالمساهمة في إنشاء كرسي للدراسات العربية في جامعة كمبريدج، ولم ينفك يصرح بأن مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، وسيلة مهمة لتشجيع وفهم العالم الإسلامي في بريطانيا.
في أوائل تسعينات القرن المنصرم، بالتحديد في عام 1993، أي على مقربة شديدة من ذيوع وشيوع رؤية البروفسور الأميركي الراحل، صموئيل هنتنغتون، عن صراع الحضارات، التي أشعلت نيران الكراهية، وإن بصورة غير مباشرة، أو غير مقصودة في نفوس الكثيرين شرقاً وغرباً، نقول إنه في ذلك الوقت ألقى تشارلز محاضرة حملت عنوان «الإسلام والغرب»، حملت رؤية عقلانية ووجدانية، تجسر الفجوات بين المتصارعين في ميادين الوغى الثقافية.
في تلك الأمسية عالج أمير ويلز وقتها، المستوى الخطير الذي وصل إليه سوء الفهم بين هذين العالمين، الإسلامي والغربي، ولفت الانتباه إلى الإرث العلمي والثقافي المشترك الذي يربط الجانبين.
لم يكن أحد يتوقع ما جرى في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) من عام 2001، والمدهش أنه لم تحدث عند تشارلز ردة فكرية أو انتكاسة ثقافية، إن جاز التعبير، من جراء الحدث الأكثر إيلاماً في مطلع القرن الحادي والعشرين.
على الضد مما توقعه البعض، شدد تشارلز في أكثر من مناسبة على الإرث المشترك، الذي يجمع العرب والغرب، لا سيما من خلال الحضارة العربية، التي شارك في صناعتها من غير المسلمين، ومن غير العرب، ومن خلالها انعكست حضارة ورقياً على الكثير من مجالات الحياة في أوروبا القرون الوسطى، وأسهمت بدورها في صناعة زمن النهضة وبزوغ عصر الرينسانس.
تبدو تصريحات تشارلز بشأن الإسلام خلاصة قراءات لمثقف عضوي، جنباً إلى مكانته الرسمية، وليس ما يمنع أن يكون الحاكم مفكراً ومنظراً، فقد حلم أفلاطون في جمهوريته من قبل بالفلاسفة يحكمون العالم.
يقطع الملك الجديد بأن الإسلام، يمكن أن يعلمنا طريقة للتفاهم والعيش في العالم الواسع والفسيح معاً، وكيف لا، وهو القيم على واحد من أعظم كنوز الحكمة والمعرفة الروحية المتراكمة المتاحة للبشرية.
عبر عقود طوال ولياً للعهد، زار تشارلز غالبية، إن لم يكن كل، دول الشرق الأوسط، والخليج العربي، وعمق علاقاته مع طبقة المفكرين والمثقفين، الذين يشهدون لقدراته الفكرية، ورؤاه، التصالحية والتسامحية، وقدرته على مد الجسور وهدم الجدران.
هل في مُلك تشارلز فرصة لا بد من تعظيمها؟
مؤكد أن ذلك كذلك، فمن موقعه، كملك للبلاد، وكرئيس للكنيسة الأنغليكانية، يمكن لراغبي الحوار والجوار أن يجدوا دعماً وسنداً، في مواجهة صيحات العنصرية، وتحجيم أصحاب دعوات المحاصصة والشوفينية القائمة على مرتكزات من العرق والدين، من الجنس واللون، وبسط رؤية لبشرية قادرة على أن تواجه منعطفات الحياة ومزالق الشر المجاني.
عصر تشارلز الثالث يأمل المرء أن يكون زمناً لسردية القلب البشري الواحد، وفسحة أمل إيمانية وحضارية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تشارلز الثالث فسحة أمل إيمانية وحضارية تشارلز الثالث فسحة أمل إيمانية وحضارية



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates