كثيرون لم يؤمنوا حتى الساعة بأن الفتى الخارق إيلون ماسك يعمل لحساب لنفسه، ويقطعون بأنه ليس سوى خلفية للدولة الأميركية العميقة، تلك التي تتعاون في الكثير من الأوقات مع طغمة تعرف باسم المتعاونين أو المتعهدين، خاصة حين تكون المهام المراد تحقيقها لا تتطابق والقوانين الدولية، أو يراد من خلالها الالتفاف على الكونغرس والمشرعين الأميركيين، كما حدث ذات مرة في أوائل ثمانينات القرن الماضي، وبما عرف بفضيحة "إيران – غيت" أو "إيران – كونترا".
كان التساؤل ولا يزال كيف يسمح لماسك أن يقوم بمشروعات صاروخية، مشروعات لا تمتلك سوى وكالة ناسا فحسب مثيلا لها، مشروعات قادرة على خدمة الأمن القومي الأميركي، أو العكس، أي تهديده، وهو الأمر الذي لا يمكن السماح به قط، ما يفيد بحتمية تعاطي ماسك مع العالم الأميركي غير المرئي.
في الأسابيع الأولى من الحرب الروسية على أوكرانيا، سرت شائعات عديدة في الأفق، بعضها ارتقى إلى مصاف الحقائق حول قيام ماسك بتسخير قدراته الفضائية ومن خلال صواريخه الغامضة، لتوفير شبكات إنترنت للأوكرانيين بهدف التغلب على الصعوبات التي خلفتها هجمات الروس على مراكز التحكم والقيادة والاتصالات، لا سيما العسكرية منها.
على القرب مما يجري بين روسيا وأوكرانيا، أو بمعنى أكثر دقة بين الروس والناتو، تبقى الصين منتبهة ومتيقظة لما يدور من حولها، برا وبحرا وجوا، عطفا على معارك الفضاء والأقمار الصناعية، لا سيما أن بكين باتت من أفضل العواصم العالمية في مجال الصناعات الفضائية، وقد أثار صعودها في هذا السياق، منافسة حامية الوطيس مع الولايات المتحدة الأميركية.
يخبرنا بين لي، المحاضر الأول في القانون بجامعة نيوكاسل في أستراليا، وأستاذ حل النزاعات والقانون الجوي والفضائي، في مقال أخير له بمجلة ساينتفيك أمريكان، كيف أن الفضاء المحيط بالكرة الأرضية لن يكون آمنا، إلا إذا تعاونت الولايات المتحدة والصين.
غير أن واقع الحال يشير إلى أن هناك الكثير من العوائق أمام هذا التعاون الثنائي، منها أن القانون يحرم على وكالة ناسا استخدام الأموال الحكومية للتعامل مع الصين والجهات التابعة لها، ومع ذلك فهذا القانون لا يمنع كل أشكال التعاون، مثل تبادل بيانات مدار الأجسام الفضائية، بما يضمن عدم تكرار ما حدث مع أقمار ستارلينك.. هل يظهر ماسك هنا كواجهة خلفية للتعاون وربما للتنافس الفضائي الأميركي الصيني؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل والدليل هو ما يروج مؤخرا من أن عسكريين صينيين باتوا يضعون خططا لتدمير نظام "ستارلينك" للأقمار الصناعية التابع للملياردير الأميركي ماسك، والذي تعتبره بكين "تهديدا محتملا" لأمنها القومي.
يوما تلو الآخر تتعاظم إمبراطورية ماسك الفضائية، والتي بلغت اليوم نحو 2400 قمر اصطناعي في مدار منخفض، يمكنه توصيل الإنترنت فائق السرعة إلى أي مكان على كوكبنا، خاصة في البلدان النامية.
هل تخشى الصين من أقمار ماسك؟
غالب الأمر هو كذلك، لا سيما أن مشهد أقمار ماسك لا يتوقف في حقيقة الحال عند حدود توفير الإنترنت، فمؤسسات ماسك ليست جهات اجتماعية خيرية، وماسك بدوره لم يكن ولا يمكن أن يكون السامري الصالح، والذي يصنع الخير للقريب والغريب، وكأنه رسول المدينة الفاضلة، بل شركة تسعى للربح وتعظيم الفوائد المالية له ولحملة أسهمه.
قبل فترة ليست بعيدة، صدرت ورقة بحثية عن معهد بكين للتتبع والاتصالات السلكية واللاسلكية، التابع لقوة الدعم الاستراتيجي لجيش التحرير الشعبي، وقد قاد الدراسة "زين بوانشن" الباحث الصيني المعروف، إلى جانب نخبة من كبار العلماء في صناعة الدفاع الصينية.
خلاصة التقرير تدفع في الاتجاه الذي نظنه، وهو أن ماسك ليس سوى ذراع من أذرع المواجهة الأميركية في الفضاء الخارجي، هناك حيث تدور معركة القرن الجديد، تلك التي وضع لبناتها الرئيس الأميركي الجمهوري، رونالد ريغان العام 1983، ومن متناقضات القدر، أن برنامجه الذي أطلق عليه وقتها حرب النجوم أو الكواكب، كان قد انطلق من ركائز دوغمائية، دفعه في طريقها عتاة اليمين المسيحي الإنجيلي، والذين صوروا له المعركة مع الاتحاد السوفيتي على أنها الطريق إلى نهاية العالم والمصير المحتوم في درب معركة هرمجدون.
حين دلف دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، أخرج المشروع من أدراجه القديمة، وأدخل تغييرا طفيفا على العدو، إذ وضع في خانة الاسم، الصين عوضا عن الاتحاد السوفيتي، في تبادل للمواقع والمواضع، وبما يحقق صالح ومصالح الإمبراطورية الأميركية المنفلتة.
يقول الصينيون اليوم، إن بلادهم في حاجة إلى تطوير قدرات لتتبع ورصد، وربما إذا لزم الأمر تدمير كل قمر اصطناعي لستارلينك.
هل كان ماسك وراء كشف أوراق الصين النووية في العقد الحالي وما يليه؟
القصة تعود إلى اكتشاف أقمار أميركية، ومن الوارد جدا أن بعضا منها يخص ماسك، لعدد كبير جدا من الحواضن النووية تحت الأرض، بهدف إعداد الصين لمشروعها النووي القادم، حيث تخطط لحيازة نحو عشرة آلاف رأس نووي، ما يعني أن ما سيكون في ملكيتها يفوق ما لدى الأميركيين والروس دفعة واحدة.
عسكرة الصين قادمة لا محالة، والذين يتابعون تطورات قدراتها البحرية، وحاملات طائراتها التي تتكاثر عاما تلو الآخر، ناهيك عن قصة المحطات السرية للبحرية الصينية حول العالم، يدرك تمام الإدراك أن الفضاء سيكون هو الدرع الحامي لتحركات البحر والبر.
ومع الأخذ في عين الاعتبار المواجهة الصينية – الأميركية، القائمة والقادمة، من عند بحر الصين الجنوبي، مرورا بجزيرة تايوان، ووصولا إلى غرب الباسيفيك، يضحى فرض عين على الصينيين تطوير أقمارهم الصناعية من جهة، واستباق أقمار ماسك، وربما تدميرها من جانب آخر .
هل فخ ثيوسيديدس قريب جدا ما بين واشنطن وبكين؟