الرجل عندما يكون في مكانه

الرجل عندما يكون في مكانه

الرجل عندما يكون في مكانه

 صوت الإمارات -

الرجل عندما يكون في مكانه

بقلم - سليمان جودة

 

رأيت الدكتور محمد يونس أكثر من مرة في مؤتمرات مؤسسة «أجفند» التي كان رئيسها الأمير طلال بن عبد العزيز - يرحمه الله - يدعو إليها. كان الأمير طلال مشغولاً بمحاربة الفقر من خلال مؤسسته، ولم يكن يفرّق في ذلك بين دولة عربية وأخرى غير عربية، وكان يسعده أن يحرر إنساناً من الفقر أياً كان مكان هذا الإنسان؛ ولذلك دعا إلى مؤتمر للمؤسسة ذات مرة في الأوروغواي في أميركا الجنوبية، ثم دعا إلى مؤتمر في الفلبين في جنوب شرقي آسيا، وكذلك دعا إلى مؤتمر في اليمن، ودعا إلى مؤتمرات كثيرة في غير الدول الثلاث، وفي كل المرات كانت مطاردة الفقر هي الهدف بالنسبة له، وكان القضاء عليه هو الغاية في آخر المطاف. وكان الدكتور يونس صديقاً للأمير، وكان ضيفاً دائماً على مؤتمرات المؤسسة، وكان هناك ما يبرر الصداقة والضيافة معاً. فالرجل حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، وهو صاحب فكرة بنك الفقراء في بنغلاديش، وكان هذا البنك سبباً في انتشال الكثيرين في بنغلاديش من قبضة الفقر. ولا يعني وجود بنك للفقراء في بنغلاديش أو في غيرها، أن بقية البنوك الأخرى للأغنياء، وإنما المعنى أن البنك الذي أسسه حائز نوبل لم يكن يمنح الناس مالاً، لكنه كان يتيح لهم فرصاً للعمل برأسمال صغير، فإذا بدأوا في ذلك كانت هذه هي البداية إلى ألا يظلوا فقراء، وإلى أن يغادروا ما عاشوا عليه من الحاجة وضيق الحال. وأظن أن بنغلاديش إذا كانت قد شهدت نقلة في صناعة الملابس، وإذا كانت قد صارت ذات مكانة بين الدول في هذه الصناعة بالذات، فالفضل في ذلك يعود إلى الدكتور يونس الذي راح يُسخّر ما يعرفه عن الاقتصاد في خدمة الناس. كان الرجل يبدو في كل مرة رأيته فيها وكأنه صوفي من الصوفيين الذين نسمع عنهم ونقرأ في تاريخ الصوفية، وكان يميزه لباسه البنغلاديشي البسيط، فالسترة القصيرة من القطن والبنطلون الطويل منه أيضاً، وهو يتحرك بهما في كل مكان يذهب إليه ولا يغيرهما.

وفي هذه الأيام تنتشر دعوات إلى أن يكون يونس رئيساً للحكومة الجديدة في بلاده، وإذا حدث هذا فسوف يكون وضعاً للرجل في مكانه، وسوف يكون ذلك من المرات القليلة التي يُتاح فيها لحاصل على نوبل في الاقتصاد أن يطبّق ما يعرفه عملياً، أو أن يأخذ علم الاقتصاد من الكتب ومن النظريات إلى حيث واقع الحياه في هذه الدنيا. لا شك أن بنك الفقراء كان قد أتاح له أن يتعامل مع شريحة في المجتمع، أو مع طبقة من طبقاته، ولكن رئاسة الحكومة إذا ذهبت إليه فسوف تضعه موضع التجربة للمجتمع بكل طبقاته، وسوف تأخذ نوبل جائزة هي الأرفع في العالم إلى حيث تجري الترجمة العملية للنظريات، وإلى حيث ينتظر الناس من كل صاحب علم أن يوظّف علمه فيما ينفع ويفيد. ورغم أننا في عالمنا العربي نردد المثل الشعبي الذي يدعونا إلى أن نعطي العيش لخبازه، إلا أننا قليلاً ما نفعل ذلك، بل قليلاً جداً ما تجد رجلاً يتولى موقع مسؤولية عن استعداد مسبق لها بالدراسة وبالممارسة، ولا نزال نجد أن عالمنا العربي في الغالبية منه شعوب فقيرة مع أن بلادها غنية بمواردها، ولا سبب مقنعاً لهذه المفارقة أو هذا التناقض، إلا أن الذين يجلسون في مقاعد الحكومة في هذه البلاد ليسوا مؤهلين لأن يجلسوا فيها، فلا تكون النتيجة إلا المزيد من إهدار الموارد، ومن إضاعة الوقت، ومن تبديد الجهد. والذين يدعون في بنغلاديش إلى أن يكون صاحب نوبل على رأس الحكومة، جرّبوا من قبل أن يعطوا العيش لغير خبازه وحصدوا النتيجة في الآخر، ولم تكن مما يسُر أو يسعد على كل حال، وإذا شئت فراجع ما يجري في بلد الشيخ مجيب الرحمن منذ استقلالها عن باكستان 1971. وليس أغرب من أن يقترن إعطاء العيش لخبازه في المثل الشعبي بأن الخباز قد يأكل نصفه، وكأننا ونحن نصكّ المثل قد أفرغناه من مضمونه ومن محتواه، فليس صحيحاً أن الخباز يأكل نصف العيش، وإنما الصحيح أنه هو وحده الذي يستطيع أن يخبزه، وهو الوحيد الذي يستطيع أن ينتجه لك كما يقول الكتاب، وهو يفعل ذلك ليس بقوة الذراع، ولكن بقوة الخبرة والمعرفة التي لا تعادلها قوة أخرى إذا رحنا نقارن بين الأشخاص، وبين ما سوف يكون عليهم أن يؤدوه من مهام. كان نجيب محفوظ الذي يحمل نوبل مثل يونس، لكن في الأدب، قد أطلق عبارة تقول إن «آفة حارتنا النسيان» ولم يكن يقصد مجرد الحارة التي نشأ فيها في حي الجمالية في القاهرة القديمة، لكنه كان يقصد الحارة العربية على اتساعها، وإذا كان لنا أن نحوّر قليلاً في عبارته فسوف يكون علينا أن نقول إن آفة حارتنا ألا تضع الرجال في أماكنهم في الغالب، وإنها إذا لم تتدارك ذلك بالسرعة المطلوبة فليس لها أن تأسف على أنها خارج العالم المتطور.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرجل عندما يكون في مكانه الرجل عندما يكون في مكانه



GMT 01:09 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض في مواجهة اليوم التالي

GMT 01:08 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

مفكرة القرية: الطبيب الأول

GMT 01:08 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

نكسة الإعلام الأميركي

GMT 01:07 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

3 ركائز لسياسة ترمب في الشرق الأوسط

GMT 01:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفول الأوبامية: النخب المتعالية ودرس الانتخابات

GMT 01:05 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب وسياسة الطاقة الأميركية

GMT 01:04 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

الطبعة الثانية من حُكم ترمب

GMT 01:04 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

قمة الرياض... الطريق للدولة الفلسطينية

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - صوت الإمارات
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 19:18 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 صوت الإمارات - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 19:21 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 صوت الإمارات - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 05:35 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الذكاء الاصطناعي يساهم في انبعاثات ضارة تؤثر سلباً على البيئة
 صوت الإمارات - الذكاء الاصطناعي يساهم في انبعاثات ضارة تؤثر سلباً على البيئة

GMT 08:38 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 05:21 2015 الأربعاء ,11 شباط / فبراير

افتتاح معرض "ألوان السعودية" المتنقل في جدة

GMT 07:14 2015 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

الرميحي يزور جناح دولة قطر في معرض "اكسبو 2015"

GMT 20:48 2013 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج جديد فى إذاعة الشرق الأوسط عن التعديلات الدستورية

GMT 13:26 2015 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مقهى ثقافي ومسابقة تصوير في معرض كتاب شرطة دبي

GMT 11:40 2015 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

"أبوظبي للسياحة" تنظم معرض "ميادين الفنون"

GMT 07:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

جبل بوزداغ من أروع المناطق السياحية للتزلج

GMT 05:28 2016 السبت ,27 شباط / فبراير

HTC تنشر أول صورة تشويقية لهاتفها المرتقب One M10

GMT 11:02 2013 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

بحث تطوير مشروع جامعة عمان مع كامبريدج

GMT 03:34 2015 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

معرض جدة الدولي للكتاب يستقطب أكثر من 600 ألف زائر

GMT 08:27 2015 الأحد ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميثاء الخياط تعرّف الأطفال بطرق قص مبتكرة في "الشارقة"

GMT 01:52 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كلوب يكشف السبب الرئيسي لسقوط ليفربول أمام ساوثهامبتون

GMT 12:49 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يوضِّح تعرّضه للأذى في برشلونة سبب خروجه عن صمته
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates