بقلم - سليمان جودة
لا يأتى المستثمر الخارجى ليقضى وقته في الفسحة عندنا، لكنه يأتى ليكسب ويحقق أعلى مكسب ممكن، وهو إذا لم يجد ذلك متاحًا له في أرضنا، فإنه ينتقل تلقائيًّا إلى الأرض المناسبة أمامه، وليس في الأمر عاطفة تربطه بأرض هنا، أو تصرفه عن أرض هناك، لأن العلاقة بينه وبين أي أرض يذهب إليها هي علاقة عملية تخضع لمعايير المكسب والخسارة ولا وجود للعاطفة فيها!.
وإذا كنا نعرف اليوم ما يسمى المقاصد السياحية.. وهى البلاد التي يقصدها السائح دون سواها لأنها تقدم له الخدمة التي يريدها.. ففى الاستثمار أيضًا مقاصد استثمارية يسعى وراءها المستثمر في أي مكان!.
وإذا كانت المقاصد السياحية تعمل طول الوقت على إغراء السائح بالذهاب إليها، وتفضيلها على غيرها من المقاصد المنافسة، فإن المقاصد الاستثمارية تفعل الشىء نفسه، ويحاول كل مقصد فيها الفوز بأكبر قدر ممكن من كعكة الاستثمار الخارجى!.
ولا بديل أمامنا سوى التواجد في المقدمة من هذه المقاصد، وسوى حجز موقع متقدم بينها.. وإذا كان المستثمر الخارجى يجعل الربح هدفه الأول فهذا حقه طبعًا.. لكنه وهو يحقق هذا الهدف لنفسه يحقق لنا بالتوازى أهدافًا أخرى لصالح اقتصادنا.. ومنها على سبيل المثال أن تحقيق أي ربح في جيبه، معناه حصول الدولة على جزء من هذا الربح كضريبة محددة سلفًا، ثم منها أنه يتيح فرص عمل للناس، ويشارك في عملية التشغيل، وهذا في الحقيقة ما نحتاجه أكثر!.. فإذا حقق خسارة، لا قدر الله، فهو وحده يتحملها، وهو وحده يتحمل تداعياتها، ولا تتحمل الدولة جنيهًا واحدًا في خسارته!.
لذلك.. يظل على الدولة أن تفتح الطريق أمامه واسعًا، وأن تحدد مسبقًا ما بالضبط المجالات التي ستعمل فيها ليكون هذا هو شغلها الذي لا ينازعها أحد فيه.. وما عدا ما سوف تحدده هي، بإرادة حرة منها، يستطيع القطاع الخاص المحلى أن يعمل وفق خريطة واضحة، ويستطيع المستثمر الأجنبى أن يختارنا مقصدًا استثماريًّا له وهو مطمئن!.
وإذا كنت قد قلت من قبل إن القطاع الخاص في حاجة إلى دستور من سطر واحد يحكم عمله، وإذا كان هذا السطر هو كالتالى: يعمل القطاع الخاص فيما يستطيعه ولا تنافسه الدولة فيه. فالدولة على الجانب الآخر في حاجة إلى دستور حاكم لدورها الاقتصادى، وهو دستور من سطر واحد أيضًا ويقول: هذه هي مجالات العمل التي تنفرد بها الحكومة ولا يزاحمها أحد فيها!.
عندها لن يتوه المستثمر الوطنى، ولن ينسحب أو يبتعد، ولن يجلس في بيته، ولا المستثمر الأجنبى سوف يتردد في المجىء