بين مقتدى والمالكي مأساة عراقية

بين مقتدى والمالكي... مأساة عراقية

بين مقتدى والمالكي... مأساة عراقية

 صوت الإمارات -

بين مقتدى والمالكي مأساة عراقية

بقلم - خير الله خير الله

إنفجر الوضع الداخلي في العراق. بات صعبا التكهن بما يمكن ان تصل إليه الأمور. لكن الثابت الوحيد أن مصير البلد ومستقبله باتا مطروحين نتيجة فشل نظام قائم مبني على المذهبيّة والمحاصصة والقدرة على التعطيل. أدت هذه القدرة على التعطيل إلى الإنسداد السياسي الكامل الذي أدّى بدوره إلى الإنفجار الذي نشهده اليوم بالصوت والصورة.

ذهب النظام المهترئ ضحيّة من كان وراء الدفع في اتجاه قيامه بعد الاحتلال الأميركي في ربيع العام 2003. من دفع في اتجاه قيام هذا النظام كان "الجمهوريّة الإسلاميّة" في ايران التي استغلّت السذاجة الأميركيّة إلى أبعد حدود. خلقت "الجمهوريّة الإسلاميّة" نظاما يحتاج دائما إلى تدخّل إيراني من أجل استمراره إلى ان جاء اليوم الذي ارتد فيه الفعل الإيراني على أصحابه. لم يعد في استطاعة طهران التوفيق بين رجالها في العراق... حتّى بين المنضوين تحت ما يسمّى الإطار التنسيقي، بين نوري المالكي و"عصائب اهل الحق" من جهة وحيدر العبادي و"كتائب حزب الله" من جهة أخرى، فيما يسعى مهدي العامري إلى إيجاد موقع خاص به!

لا يدلّ على مدى الإفلاس الكامل للنظام العراقي، وهو افلاس ينعكس على قدرة البلد على البقاء واقفا على رجليه، أكثر من أنّ الخيار صار بين نوري المالكي من جهة ومقتدى الصدر من جهة أخرى. ماذا لدى نوري المالكي يقدّمه للعراق والعراقيين بعدما تبيّن أن الرجل الحاقد على العراق لا يؤمن سوى بضرورة هيمنة نظام "الجمهوريّة الإسلاميّة" في ايران على بلده.

سقط العراق سقوطا مريعا أوصله إلى الحضيض، بل حضيض الحضيض، الذي يعكسه الإنسداد السياسي الكامل منذ انتخاب مجلس للنواب لا تتحكّم به ايران. كان ذلك في تشرين الأوّل – أكتوبر الماضي. ما يشير إلى مدى عمق الأزمة العراقيّة أنّ الخيار بين نوري المالكي ومقتدى الصدر يشكّل أفضل تعبير عن المأساة العراقيّة. خلاصة ما يقوله المالكي أن العراق ليس سوى ورقة ايرانيّة. اكثر من ذلك، أراد القول انّ لا عودة إلى ما قبل العام 2003 تاريخ تسليم اميركا العراق إلى "الجمهورية الإسلاميّة" على صحن من فضّة. في المقابل، لا يعرف جمهور مقتدى الصدر ماذا يريد. لا يميّز هذا الجمهور، عن غيره، سوى الولاء الأعمى لرجل دين لا يمتلك أي برنامج سياسي أو إقتصادي أو حضاري من أي نوع... أو أيّ رؤية لمستقبل العراق.

يختزل هذا الخيار، الذي وجد العراقيون نفسهم امامه، المأساة التي يمرّ بها بلد كان من السهل تحويله إلى بلد مزدهر... فإذا به في حال من السقوط الذي لا حدود له منذ 64 عاما. كان ذلك عندما فرض العسكريون الذين قلبوا النظام الملكي في 14 تموز – يوليو 1958 مبدأ إلغاء الآخر. قام العراق منذ العام 1958 على مبدأ إلغاء الآخر. ها ما يدل عليه كلام المالكي الذي يحرّض فيه على مقتدى الصدر، الزعيم الشيعي الذي حقق حزبه انتصارا في الإنتخابات الأخيرة. هذه ثقافة النظام الإيراني القائم منذ 1979 كما كانت ثقافة حزب البعث في سوريا والعراق. إذا كان التحريض على مقتدى الصدر مفهوما في ضوء منافسته له شيعيا، ما لا يمكن فهمه لماذا هذا التحريض على السنّة والأكراد. الأكراد ممثلون بمسعود بارزاني الذي اتبع في كلّ وقت سياسة تصبّ في مصلحة العراق والوحدة بين القوميات التي يتألّف منها من منطلق فيديرالي.

بعيدا عن تقييم السياسات التي اتبعها مسعود بارزاني الذي اخطأ في مرحلة معيّنة عندما سار في استفتاء من اجل الإنفصال الكردي، لا يمكن تجاهل انّ المكوّن الكردي لا يستطيع اعتماد أي خيار آخر، أي خيار إيجاد موقع مميّز في العراق.

أخطأ مسعود بارزاني، وقتذاك، في توقيت موعد الإستفتاء، لكن ما صدر عن المالكي يعطيه الحقّ في خياره ويؤكّد في الوقت ذاته انّه يستحيل التعايش مع فريق سياسي لا يؤمن سوى بأن يكون العراق تابعا لـ"الجمهوريّة الإسلاميّة" في إيران وفي خدمتها.

يلخّص نوري المالكي، بما صدر عنه من تسريبات، مهّدت للإنفجار الحالي، التاريخ الحديث للعراق بين 1958 و2022. لم يعش العراقيون يوما ابيض منذ الإنقلاب العسكري الدموي في 1958.

ترمز تسريبات نوري المالكي إلى سقوط العراق من عهد ملكي بحسناته وسيئاته، من عهد كان فيه كثير من الخير، إلى عهد العسكر والبعث، ثمّ العسكر مجدّدا، ثمّ البعث وصدّام حسين، الريفي الذي اجتاح المدينة والذي يبدو ملاكا اذا ما قارنّا تصرّفاته بما صدر عن نوري المالكي.

لا شكّ ان الجهود التي يبذلها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، من النوع الإستثنائي، خصوصا انّه يمتلك وطنيّة عراقيّة حقيقيّة وشجاعة كبيرة. تمثلت هذه الشجاعة في دعوته إلى إبقاء العراق خارج كلّ المحاور الإقليمية واصراره على ذلك في قمة جدّة التي كان العراق ممثلا فيها. لكنّ التمنيات شيء والواقع شيء آخر. يمثّل نوري المالكي الواقع العراقي بكلّ تخلّفه. يقول الواقع، من وجهة نظره، أنّ ايران ما زالت اللاعب الأساسي في العراق وأنّها لا يمكن ان تقبل بعودة البلد إلى مرحلة ما قبل العام 2003 عندما سلمت إدارة جورج بوش الإبن العراق إلى "الجمهوريّة الإسلاميّة" في ايران.

العراق إلى أين؟ العراق إلى المجهول لا لشيء سوى لأن حصر الخيار بين المالكي ومقتدى الصدر في ظلّ العجز الإيراني عن لعب دور القوّة المهيمنة الممسكة بالخيوط الشيعيّة كلّها، لن تكون له آثاره في بغداد فحسب، بل في طهران نفسها أيضا. شيئا فشيئا تتحول المأساة العراقيّة إلى جزء لا يتجزّأ من مأساة ايرانيّة تتوالى فصولها، منذ العام 1979، داخل ايران نفسها وفي المنطقة كلّها، في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين مقتدى والمالكي مأساة عراقية بين مقتدى والمالكي مأساة عراقية



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates