لماذا لا مفاجأة ثالثة في السودان

لماذا لا مفاجأة ثالثة في السودان!

لماذا لا مفاجأة ثالثة في السودان!

 صوت الإمارات -

لماذا لا مفاجأة ثالثة في السودان

بقلم - خيرالله خيرالله


تشير التصرفات الأخيرة لعمر حسن البشير إلى نوع من الإفلاس، وتطرح أسئلة من نوع هل خلت جعبته من أفكار جديدة تبقيه في السلطة؟ بعد ثلاثين عاما في السلطة.

يظل السودان، بكلّ بؤسه وفقره وثرواته غير المستغلّة، بلد المفاجآت السعيدة.

 هناك حدثان مهمّان شهدهما البلد، الذي يمرّ حاليا في مرحلة صعبة. 

كان الحدثان الاستثنائيان في العامين 1964 و1986.

في 1964، اضطر الفريق إبراهيم عبود إلى الاستقالة وإعادة الحكم إلى المدنيين.

وفي 1986، اكتفى الفريق عبدالرحمن سوار الذهب بتأمين انتقال السلطة إلى المدنيين، بعد انهيار نظام جعفر نميري. 

هناك ضابط سوداني عرف وقتذاك أن مصلحة البلد فوق مصالحه الشخصية وشهواته إلى السلطة والثروة.

يشير الحدثان إلى أن السودان يظلّ بلد المفاجآت. 

هل يقدم اللواء عمر حسن البشير على المفاجأة الثالثة أم يظل الرجل أسير خلفيته الإخوانية التي تعني، بين ما تعنيه، ذلك الشبق الذي لا حدود له للسلطة وغير السلطة. 

ألا تكفي ثلاثون سنة في السلطة لضابط سوداني عرف كيف يناور منذ الانقلاب العسكري للعام 1989 من أجل البقاء في موقع الرئاسة بأي ثمن كان… حتّى لو كان هذا الثمن تقسيم السودان واستقلال جنوبه؟

في العام 1958، بعد عامين على استقلال السودان، نفّذ الفريق إبراهيم عبود الانقلاب العسكري الأوّل في تاريخ البلد. فعل ذلك بطلب من الحكومة المدنية. 

لم يكن لدى إبراهيم عبود ما يقدّمه للسودانيين سوى ضبط الوضع الداخلي بعدما أوصلت الخلافات بين الأحزاب السودان إلى حدّ الإفلاس.

كان السودان، بعد استقلاله، بلدا واعدا في ظلّ حياة سياسية طبيعية وتعددية حزبية قابلة للتطوير. لكنّ الأحزاب السودانية، سواء أكانت تقليدية أو يسارية لم تكن في المستوى المطلوب.

 فتحت الأبواب أمام العسكر، لعلّ وعسى ينتشلون البلد من أزماته ومن لغة المزايدات…

لماذا لا يستعيد الرئيس السوداني ذكرى ثورة 1964 على حكم العسكر والطريقة الحضارية التي سلّم بها عبدالرحمن سوار الذهب السلطة في 1986.

 ألا يستحق السودان مفاجأة سعيدة ثالثة توفّر مزيدا من الدماء؟

كانت هناك دائما حيوية سياسية في السودان.

 كانت هناك أحزاب تقليدية مثل حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي. يمثّل حزب الأمّة طائفة الأنصار، ويمثل الاتحادي الطائفة الختمية.

 في ظلّ هذه المعادلة، القائمة على الانتماء إلى الأنصار أو الختمية، كان الحزب الشيوعي حزبا نشطا وكان يعتبر أكبر الأحزاب الشيوعية في العالم العربي.

لا يمكن تجاهل أن إبراهيم عبود كان نظيف الكفّ وساعد في الخروج من أزمات كثيرة كان السودان يعاني منها، بما في ذلك أزمة تسويق القطن السوداني.

 بقي إنجازه الأكبر الانفتاح على الولايات المتحدة والاعتراف بالصين الشعبية في الوقت ذاته. 

حصل على مساعدات أميركية مهمّة بغية تنفيذ مشاريع معيّنة ذات طابع تنموي ساهمت في تحقيق انفراج اقتصادي. لكن يبقى أنّ أهمّ ما قام به إبراهيم عبّود يتمثّل في إنهاء الخلاف مع مصر على منطقة حلايب.

تسلّم إبراهيم عبّود السلطة من رئيس للوزراء هو عبدالله خليل وجد نفسه في مأزق سياسي واقتصادي. كانت هناك خلافات لا تنتهي بين الأحزاب وحتّى داخل كل حزب، وكان هناك غياب لأي خطة اقتصادية تستطيع إخراج السودان من أزمته الاقتصادية. لم يجد عبدالله خليل من حل سوى تسليم السلطة للعسكر فاتحا الأبواب أمام سلسلة من الانقلابات العسكرية كان آخرها في العام 1989، وهو الانقلاب الذي أوصل عمر حسن البشير إلى الرئاسة بدعم من حسن الترابي الذي كان يمثّل الإخوان المسلمين والذي كان يعتقد أن في استطاعته استخدام البشير غطاء لأطماع الإخوان.

كمّم إبراهيم عبّود الأفواه وضيّق على الحياة الحزبية، بل ألغاها. 

في العام 1964، نزل السودانيون إلى الشارع في ثورة حقيقية. 

هتفوا صوتا واحدا “إلى الثكنات يا حشرات”. 

انكفأ العسكر وعادوا بالفعل إلى ثكناتهم مفسحين المجال لرجال السياسة في السودان كي يعودوا إلى المناكفات في انتظار انقلاب جديد كان خلفه جعفر نميري ورفاقه في العام 1969. انتقل السودان من كارثة إلى أخرى في عهد النميري، خصوصا بعدما اكتشف الأخير فوائد المتاجرة بالدين واستعان بالإسلاميين الذين كانوا يُعدّون أنفسهم لتولي السلطة.

مرّة أخرى، برز في العام 1985 رجل عسكري اسمه عبدالرحمن سوار الذهب. تسلّم السلطة، على رأس مجلس عسكري، وما لبث في العام 1986 أن أعادها إلى المدنيين. لكن سياسيي السودان لم يتعلّموا شيئا من تجارب الماضي. بين العامين 1986 و1989، كرّر سياسيو السودان وقادة أحزابه كلّ أخطاء الماضي وأوصلوا البلد مرّة أخرى إلى الإفلاس. 

استطاع الحلف العسكري – المدني القائم بين البشير والترابي الوصول إلى السلطة بسهولة، وبدأت منذ ذلك الحين صراعات داخلية كان الجانب الأبرز فيها اعتقاد حسن الترابي أن في استطاعته استخدام البشير أداة في خدمة الإخوان، وفي خدمة مشروع يتجاوز حدود البلد إنْ في اتجاه مصر أو في اتجاه دول أخرى على البحر الأحمر.

بين 1989 و2019، تاريخ اندلاع ثورة شعبية حقيقية ليس معروفا بعد كيف ستنتهي، مارس عمر حسن البشير كلّ المناورات التي يستطيع سياسي محنّك ممارستها. 

كان ضحيّة تلك المناورات السياسيون الذين استخفّوا بالرجل القادر على طرد أسامة بن لادن من السودان وتسليم “كارلوس” إلى فرنسا… والدخول في مفاوضات مع الجنوبيين من أجل تقسيم السودان.

 حصل ذلك بالفعل في العام 2011.

في كلّ مرّة كان على البشير دفع الثمن المطلوب للبقاء في السلطة، كان يفعل ذلك بغض النظر عن قيمة هذا الثمن. اكتشف كلّ الذين تعاملوا مع البشير أنّه رجل عملي لا عقدة من أيّ نوع لديه، لا عقدة تجاه سجن الترابي والتلويح بإعدامه، لولا تدخّل علي عبدالله صالح مرتين من أجل إنقاذ حياة الرجل… ولا عقدة التعاطي مع إسرائيل. وجد أخيرا أن عليه الذهاب إلى دمشق ليكون أول رئيس عربي يلتقي بشّار الأسد المرفوض من شعبه، وذلك منذ اندلاع الثورة السورية في مثل هذه الأيّام من العام 2011. كانت تلك الزيارة أشبه بلعنة حلّت عليه. عاد إلى الخرطوم من دمشق ليجد ثورة شعبية في انتظاره.

نجد الرئيس السوداني هذه الأيّام يتحرّك في كلّ الاتجاهات. ذهب إلى الدوحة وإلى القاهرة.

 يعتقد أنّ في استطاعته استخدام الخلافات بين دول الخليج وقطر لمصلحته وأنّ في استطاعته الحصول على دعم مصري في الوقت ذاته!

تشير التصرفات الأخيرة لعمر حسن البشير إلى نوع من الإفلاس، وتطرح أسئلة من نوع هل خلت جعبته من أفكار جديدة تبقيه في السلطة؟ بعد ثلاثين عاما في السلطة، لماذا لا يقدم الرئيس السوداني على خطوة من نوع الانتقال بالبلد إلى مرحلة انتقالية بعدما نضبت لديه كلّ الحلول التي يستطيع تقديمها للشعب؟ تشمل هذه الحلول بطبيعة الحال الاستعانة بسودانيين من ذوي الخبرة يعرفون الاقتصاد وكيفية استغلال ثروات البلد بدل اللجوء إلى بهلوانيات سياسية من عصر آخر…

باختصار شديد، لماذا لا يستعيد ذكرى ثورة 1964 على حكم العسكر والطريقة الحضارية التي سلّم بها سوار الذهب السلطة في 1986. ألا يستحق السودان مفاجأة سعيدة ثالثة توفّر مزيدا من الدماء؟

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

نقلا عن صحيفة العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا لا مفاجأة ثالثة في السودان لماذا لا مفاجأة ثالثة في السودان



GMT 21:27 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

قصة عِبَارة تشبه الخنجر

GMT 21:21 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

المرأة ونظرية المتبرجة تستاهل

GMT 21:17 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

«تكوين»

GMT 21:10 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

هل يعاقب فيفا إسرائيل أم يكون «فيفى»؟!

GMT 21:06 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

العالم عند مفترق طرق

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates