في ذكرى الحسين بن طلال

في ذكرى الحسين بن طلال

في ذكرى الحسين بن طلال

 صوت الإمارات -

في ذكرى الحسين بن طلال

بقلم : خير الله خير الله

في مثل هذه الأيام، قبل تسعة عشر عاما، غاب الملك حسين بن طلال. يتبين الآن، أكثر من أي وقت كم كان باني الأردن الحديث شخصية مهمة واستثنائية، عربيا ودوليا، على الرغم من كل الظلم الذي لحق به.يكفي أن المملكة الأردنية ما زالت موجودة للتأكد من ذلك، في وقت انهارت سوريا وتفتّتت، ولم يعد معروفا مصير العراق. ما الذي جعل الأردن يصمد ويظل محافظا على دوره ووجوده في حين أصاب الجارين العراقي والسوري ما أصابهما؟الجواب في أن الأردن استطاع المحافظة على مؤسساته، أي على مؤسسات الدولة وتطويرها بما يتلاءم مع التطورات الإقليمية بعيدا عن كلّ الأوهام بمختلف تلاوينها.

عرف الأردن حجمه منذ البداية، وعرف كيف يدافع عن مصالحه من دون عقد ومن دون الدخول في لعبة المزايدات التي لا طائل منها. عرف أين يجب أن يتوقّف، وعرف ما هي موازين القوى في هذا العالم. لو استطاع صدّام حسين أن يعرف شيئا عما يدور في العالم والمنطقة، لما كان حلّ بالعراق ما حلّ به ولما كان سقط في يد إيران. لو عرف حافظ الأسد أن الانصراف إلى معالجة مشاكل سوريا أهم بكثير من متابعة لعبة اللاحرب واللاسلام من أجل حماية نظامه الطائفي، لما كان بشّار الأسد، وصل أصلا إلى السلطة. ولما كان في الإمكان استخدامه، كما يحصل الآن، في لعبة تستهدف تفتيت بلد كان يمكن أن يكون من أكثر بلدان المنطقة ازدهارا وقدرة على الانفتاح على العالم.الأهم من ذلك كله، عرف الأردن اقتناص الفرص بدل البقاء في مهبّ الريح. عندما وقع الجانب الفلسطيني اتفاق أوسلو في أيلول – سبتمبر من العام 1993، شعر الملك حسين أن في استطاعته الذهاب إلى إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل.

لو لم يوقّع الأردن اتفاق وادي عربة في تشرين الأول – أكتوبر من العام 1994، لكان الآن يجرجر ذيول الخيبة ولكان ممسحة لأولئك الذين يؤمنون بسلاح الإرهاب، إن في الجانب الإسرائيلي أو في الجانب العربي أو في إيران، من أجل نشر الفوضى في كلّ المنطقة.لو خاف الملك حسين مما كان يقال عنه، لكان الأردن اليوم يصارع من أجل البقاء. فحافظ الأسد كان يطمح إلى إبقاء الوضع الأردني معلقا. لذلك، علّق على المعاهدة الأردنية – الإسرائيلية بعبارة “تأجير الأرض مثل تأجير العرض”، وذلك بهدف تبرير عدم رغبته في استعادة الجولان المحتل. كان كلامه من النوع الذي لا معنى له، لا لشيء سوى لأن هدف الأسد الأب كان يقوم على المحافظة على نظامه ولا شيء آخر غير ذلك، مهما كان ثمن ذلك. كان يعتبر أن تسليمه إسرائيل للجولان في العام 1967، عندما كان لا يزال وزيرا للدفاع، يشكّل الضمانة الأولى لهذا النظام الذي أراد القضاء نهائيا على لبنان عبر دعم كلّ أنواع الميليشيات فيه.باستغلاله اللحظة التاريخية التي توفرت في العام 1994، استعاد الأردن حقوقه في الأرض والمياه وسمح وقتذاك للفلسطينيين بمتابعة مفاوضاتهم مع إسرائيل
أكثر من ذلك، استخدم حافظ الأسد، بعقله الشرير، المسلحين الفلسطينيين لتدمير مؤسسات الدولة اللبنانية، غير مدرك أن كل ما فعله سيرتد عليه يوما.

كان الأسد الأب يعتقد أن تسليم الأرض (الجولان) تمهيدا لتمكين إسرائيل من ضمها نهائيا، أفضل بكثير من تأجير الأرض، كما فعل الأردن، هذا كان هناك من تأجير أردني لأيّ أرض.في كلّ ما قام به الملك حسين، كان بعيد النظر. أنقذ الفلسطينيين من أنفسهم عندما أخرج المسلحين من أراضي المملكة في العام 1970. قطع الملك حسين وقتذاك الطريق على مشروع الوطن البديل الذي كان يؤمن به أرييل شارون.خسر العرب الملك حسين، الذي عرف قبل غيره قيمة العراق وأهمّيته وضرورة المحافظة على العراق بصفة كونه أحد أعمدة النظام الإقليمي وشرطا من شروط إيجاد توازن مع إيران.في كل ما فعله الملك حسين، كان هناك إدراك لأهمية المحافظة على الأردن أولا. حافظ قبل كل شيء على بلده الذي سقط في فخ الدخول في حرب العام 1967 بسبب رجل جاهل اسمه جمال عبدالناصر لم يتقن غير لغة الشعارات الكاذبة والفارغة من أي مضمون.

كانت النتيجة خسارة القدس والضفّة الغربية التي لم يستطع الفلسطينيون عمل شيء من أجل استعادتها، باستثناء خطوة توقيع اتفاق أوسلو الذي أعاد ياسر عرفات إلى أرض فلسطين.أسّس الملك حسين دولة حقيقية. بنى شيئا من لا شيء. يمكن قول هذا الكلام إذا أخذنا في الاعتبار أن الأردن لا يمتلك أي ثروات طبيعية، كما أنّه من أكثر بلدان العالم التي تعاني من شحّ في المياه. إذا كان من كلمة حقّ تقال، فإن الأمير الحسن بن طلال، ولي العهد طوال خمسة وثلاثين عاما، لعب دورا كبيرا في جعل مشاريع التنمية ترافق بناء الإدارة الأردنية ومؤسسات الدولة، في مقدّمها الأمن والجيش.لم يمنع ذلك الملك حسين من اختيار ابنه عبدالله لخلافته حين أدرك أن المرض هزمه. كان هنا أيضا بعيد النظر.

لم يكن يعرف فقط كيف يختار اللحظة المناسبة للإقدام على خطوة محدّدة. كان يعرف من هو الشخص الأفضل لتسيير مرحلة معيّنة من موقع معيّن. تلك الميزة جعلت الملك حسين يتخذ قرار فك الارتباط مع الضفّة الغربية في العام 1987، ثم قرار إجراء الانتخابات النيابية في تشرين الثاني – نوفمبر 1989 في الوقت الذي كان هناك من يحطم جدار برلين إيذانا بانتهاء الحرب الباردة.

ثمّة عوامل كثيرة جعلت الأردن يصمد ويبقى لاعبا إقليميا، وإن في حدود معينة. أبرز هذه العوامل قرار نقل ولاية العهد إلى عبدالله بن الحسين الذي أثبت في السنوات الـ19 الماضية، أي منذ صعوده إلى العرش، أنّه ليس شخصا عاديا بأي مقياس من المقاييس، وذلك في ظل ظروف في غاية الصعوبة والتعقيد. من بين هذه الظروف تدفق اللاجئين السوريين على البلد، وغياب العراق كمصدر للمساعدات وبوابة للتبادل التجاري… في ظل حصار لم يسبق للمملكة الهاشمية أن تعرّضت لمثيل له منذ الاستقلال.

خلق الملك حسين الظروف التي تسمح للأردن بامتلاك القدرة على التكيّف. على الرغم من أن حياته كانت قصيرة. توفّى عن أربعة وستين عاما في السابع من شباط – فبراير 1999. كان الحسين بن طلال خسارة لا تعوض في منطقة لا يصح فيها هذا الوصف إلا لدى الحديث عن عدد قليل جدا من الحكام العرب. لم يكن على هؤلاء الرجال العمل من أجل بناء بلدهم فحسب، بل كان عليهم أيضا رد الحملات التي تعرضوا لها. كم كانت الحملات على الأردن شرسة طوال فترة امتدت من اليوم الذي أصبح فيه الحسين ملكا في 1952، إلى يوم اختياره ابنه البكر خليفة له في 1999… المصدر : جريدة العرب 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في ذكرى الحسين بن طلال في ذكرى الحسين بن طلال



GMT 19:41 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أزمات إقليمية جديدة

GMT 19:23 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

قيصر روسيا... غمزات من فالداي

GMT 19:19 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

المفهوم الايراني للانتخابات... والعراق ولبنان

GMT 19:14 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة مناخية ملهمة للعالم

GMT 23:17 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

ظهورُ الشيوعيّةِ في لبنان

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates