لماذا لا يطرح خيار الدولة الواحدة

لماذا لا يطرح خيار الدولة الواحدة

لماذا لا يطرح خيار الدولة الواحدة

 صوت الإمارات -

لماذا لا يطرح خيار الدولة الواحدة

بقلم : خير الله خير الله

في ظل حال الانسداد التي تعاني منها القضية الفلسطينية، لا مفرّ من طرح أفكار جديدة. قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الشهر الماضي إن لا فارق لديه بين خيار الدولتين وخيار الدولة الواحدة. المهم بالنسبة إليه أن يحصل اتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين في شأن تسوية.

نظرا إلى أن إسرائيل فعلت كلّ ما يمكن فعله في السنوات القليلة الماضية من أجل قطع الطريق على خيار الدولتين، لماذا لا يذهب رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الذي تسمّيه إسرائيل “رئيس السلطة الفلسطينية” في ضوء تفسيرها لاتفاق أوسلو، إلى واشنطن ويعلن أنّه موافق على طرح ترامب؟ وجه ترامب دعوة إلى رئيس السلطة الوطنية من أجل الذهاب إلى واشنطن. لا يمكن لأي زيارة من هذا النوع أن تُثمر عن نتائج في حال لم يرتفع الفلسطينيون إلى مستوى التعاطي مع التغييرات، بدل البقاء في أسر الماضي ولغة معيّنة ألغاها التعنّت الإسرائيلي.

ماذا إذا قال محمود عبّاس (أبو مازن) للرئيس الأميركي إنّه لا يعترض على خيار الدولة الواحدة التي تضمّ فلسطينيين وإسرائيليين يعيشون معا في كيان واحد هو أرض فلسطين التاريخية، شرط تمتّع الفلسطينيين بحقوقهم المدنية في هذه الدولة الواحدة؟

في استطاعة رئيس السلطة الوطنية قلب الطاولة على إسرائيل والولايات المتحدة في حال خرج من عقدة الخيار المستحيل الذي اسمه خيار الدولتين، خصوصا أن إسرائيل فعلت كلّ شيء من أجل قطع الطريق على قيام دولة فلسطينية مستقلّة “قابلة للحياة” عاصمتها القدس الشرقية.

كان خيار الدولتين خيارا معقولا وقابلا للتحقيق في مرحلة معينة، أي قبل أن تنجح إسرائيل في زرع كل هذا العدد من المستوطنات في الضفة الغربية وفي تطويق مدينة القدس من كلّ الجهات تطويقا محكما.

في مؤتمر مدريد للسلام الذي انعقد أواخر تشرين الأوّل – أكتوبر من العام 1991، لم يكن هناك وفد فلسطيني مستقلّ. كان هناك وفد مشترك أردني – فلسطيني. عمل الفلسطينيون وقتذاك كلّ ما يمكن عمله من أجل الانتهاء من الوفد المشترك من جهة، وتأكيد أن منظمة التحرير الفلسطينية هي مرجعيتهم من جهة أخرى. نجح ياسر عرفات في تحقيق هذا الهدف المزدوج وصولا إلى اتفاق أوسلو بسيئاته الكثيرة. وقّع هذا الاتفاق في حديقة البيت الأبيض في خريف العام 1993… قبل ربع قرن إلا سنة واحدة. طوال ربع قرن، غيّر الإسرائيليون طبيعة الضفّة الغربية. صار عدد المستوطنين فيها نحو ستمئة ألف إسرائيلي، إن لم يكن أكثر. هناك وزراء عدّة في الحكومة الحالية يقيمون في هذه المستوطنات التي هي أقرب إلى مستعمرات من أيّ شيء آخر. لن تجرؤ أي حكومة إسرائيلية، مهما كانت ملتزمة السلام، على إزالة القسم الأكبر من هذه المستوطنات. لماذا لا يجعل الفلسطينيون الإسرائيليين يدفعون ثمن سياستهم عن طريق قبول خيار الدولة الواحدة؟

على الرغم من كلّ الأخطاء التي ارتكبها الجانب الفلسطيني، قبل مؤتمر مدريد وبعده، لا يزال يمتلك سلاحا واحدا هو السلاح الديموغرافي. لا يزال الفلسطيني متمسّكا بالبقاء في أرضه، خصوصا عندما يرى ماذا يدور في المنطقة العربية، خصوصا في سوريا والعراق ولبنان. لا بدّ من الإشارة أيضا إلى أن الأردن الذي ينعم باستقرار نسبي سياسيا وأمنيا، بفضل الملك عبدالله الثاني، يواجه أزمة اقتصادية حقيقية بسبب الوضع الإقليمي وتراجع المساعدات الخليجية في ضوء هبوط أسعار النفط.

لا مكان يذهب إليه الفلسطيني غير فلسطين، على الرغم من حال الترهل التي تعاني منها السلطة الوطنية التي زار رئيسها بيروت ولم يجد وقتا لتفقد أيّ من المخيّمات القريبة من العاصمة اللبنانية أو البعيدة منها!

هناك أمور كثيرة يفترض في الفلسطينيين نسيانها هذه الأيّام. من بين ما عليهم نسيانه خيار الدولتين. لا تريد إسرائيل التفاوض من أجل التوصل إلى الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلّة، على الرغم من كلّ التنازلات التي قدّمها الجانب الفلسطيني، بما في ذلك فكرة التخلي عن أراض معيّنة في مقابل الحصول على بديل منها وإقامة رابط بين الضفّة وقطاع عزّة. إلى إشعار آخر لا مفرّ من الاعتراف بأنّ الشرخ بين الضفّة وغزّة تعمّق إلى درجة كبيرة، ذلك أن لا هدف لـ“حماس” سوى إبقاء القطاع تحت سيطرتها، وذلك منذ الانقلاب الذي نفّذته صيف العام 2007 والذي شكلّ ضربة قويّة للمشروع الوطني الفلسطيني الذي كان يمكن أن يقود إلى خيار الدولتين في مرحلة معيّنة لو جرى استغلال سريع لمرحلة ما بعد توقيع اتفاق أوسلو، عندما كان إسحاق رابين رئيسا للوزراء في إسرائيل.

لا تسمح الظروف الراهنة، خصوصا، في ظلّ وجود رغبة دونالد ترمب في تحقيق تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، سوى بطرح خيار الدولة الواحدة. عندما ترفض إسرائيل خيار الدولتين، وعندما لا يعترض الرئيس الأميركي على خيار الدولة الواحدة، لا يعود أمام الجانب الفلسطيني سوى الإقدام على خطوة جريئة من نوع القبول بخيار الدولة الواحدة. سيعني ذلك رمي الكرة في الملعب الإسرائيلي، وسيعني توريط الولايات المتحدة في عملية إيجاد أجوبة عن الأسئلة التي سيطرحها خيار الدولة الواحدة. في مقدّم هذه الأسئلة ما حقوق الفلسطينيين في هذه الدولة؟

ليس الشرق الوسط وحده الذي دخل في مرحلة مخاض. الوضع الفلسطيني برمته دخل في هذه المرحلة أيضا. المؤسف أنّ لا وجود لقيادة فلسطينية قادرة على التأقلم مع التغييرات والتعاطي معها بجدّية. المضحك – المبكي أنّ القيادة الفلسطينية مازالت تعتقد أن هناك مجالا لمفاوضات في شأن خيار الدولتين المرفوض إسرائيليا. من يصدّق أنّ هناك دائرة خاصة بالمفاوضات تضمّ عشرات الموظّفين الذين لا عمل لهم سوى قبض رواتبهم آخر كلّ شهر، عندما تكون قيمة هذه الرواتب متوفّرة بفضل المساعدات الخارجية؟

تعوّد الفلسطينيون على نمط معيّن من التصرفات تجاوزها الزمن. يريدون التفاوض مع طرف إسرائيلي لا يريد التفاوض وليس ما يجبره على التفاوض. هذا كلّ ما في الأمر. يريدون العودة إلى الوحدة الوطنية مع طرف فلسطيني لا يريد مثل هذه الوحدة ولا يؤمن بها. الأولوية لـ“حماس”، التي ليست سوى تنظيم ينتمي لحركة متخلّفة هي “الإخوان المسلمون”، المحافظة على “إمارة غزّة” ولا شيء آخر غير ذلك.

هناك مأزق فلسطيني بالفعل. لكنّ طرح خيار الدولة الواحدة سيجعل هذا المأزق إسرائيليا وأميركيا إلى حدّ كبير. ماذا ستفعل إسرائيل عندما يتجاوز عدد الفلسطينيين العرب عدد اليهود على الأرض التاريخية لفلسطين؟ هل ستعود بعد عشرين أو ثلاثين سنة إلى المطالبة بخيار الدولتين الذي شكّل في مرحلة معيّنة خيارا معقولا ومقبولا للجميع في ظلّ موازين للقوى كانت تتحكّم بالمنطقة؟

المصدر : صحيفة العرب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا لا يطرح خيار الدولة الواحدة لماذا لا يطرح خيار الدولة الواحدة



GMT 05:27 2022 الثلاثاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بهلوانيات لبنانيّة

GMT 00:15 2022 الجمعة ,09 أيلول / سبتمبر

متى الإنفجار؟... سؤال الساعة في العراق

GMT 01:37 2022 الجمعة ,05 آب / أغسطس

بين مقتدى والمالكي... مأساة عراقية

GMT 02:43 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

الصحف العالمية تتناول تحديات وآمال رئاسة جوزيف عون في لبنان
 صوت الإمارات - الصحف العالمية تتناول تحديات وآمال رئاسة جوزيف عون في لبنان

GMT 02:40 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل
 صوت الإمارات - أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 02:29 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

بلينكن يعرب عن أمله في التوصل لاتفاق بشأن غزة قبل تنصيب ترامب
 صوت الإمارات - بلينكن يعرب عن أمله في التوصل لاتفاق بشأن غزة قبل تنصيب ترامب

GMT 02:45 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

إلغاء ميتا التثبت من الحقائق سيكون له ضرر في العالم الحقيقي
 صوت الإمارات - إلغاء ميتا التثبت من الحقائق سيكون له ضرر في العالم الحقيقي

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 15:08 2017 الجمعة ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استعراض واقع القطاعات الخدمية والمشاريع التنموية في طرطوس

GMT 02:16 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أنواع الشنط وأسمائها

GMT 17:31 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة نجمة البوب الكورية سولي عن عمر ناهز 25 عامًا

GMT 00:04 2019 الخميس ,28 آذار/ مارس

صورة "سيلفي" تحول جسد فتاة إلى أشلاء

GMT 23:37 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

فيصل خليل يؤكد أن الجمهور ينتظر بشدة منافسات كأس آسيا

GMT 21:06 2013 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

علماء يختبرون مواد كيميائية تعمل على محو الذكريات

GMT 13:23 2013 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

رواج في حركة بيع العقارات بالعبور

GMT 17:54 2020 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

عواصف رعدية تجتاح ساحل أستراليا الشرقي

GMT 02:59 2019 الخميس ,22 آب / أغسطس

حسين الجسمي يطرح أغنية "دنيا" عبر يوتيوب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates