بقلم: محمدابراهيم
وصل الحوار الوطني في السودان إلى محطته الأخيرة والحرب لم تضع أوزارها في البلاد، فما زال الواقع السياسي منقسمًا بين حكومة ومعارضة بالإضافة إلى الحركات المسلحة، حيث بدأ الحوار منذ يناير/كانون الثاني من العام 2014 بخطاب "الوثبة" الشهير الذي أطلقه الرئيس السودانى عمر البشير، وحضره عدد من المفكرين والإعلاميين والأحزاب اليمينية السياسية
المعارضة، وعلى النقيض غياب عدد كبير من الأحزاب اليسارية لاسيما الحزب الشيوعي والناصريين والبعثيين وتحالف قوى الإجماع الوطني وحزب المؤتمر الشعبي اليميني الذي انشطر من الحزب الحاكم في نهاية التسعينات، لكنه لحق بركب الحوار بواسطة عرابه الراحل الدكتور حسن الترابي حيث يزعم الكثيرون أنه "مهندس" الحوار، من أجل توحيد الإسلاميين في
السودان مرة أخرى، بعد تساقط أخوانهم في مصر وتونس وليبيا وفي عدد من الدول العربية إثر ثورات الربيع العربي.
وانتهى الحوار بمسودة عريضة عرفت "بالوثيقة الوطنية" ولكن يبقى المحك في تنفيذها وتنزيلها على أرض الوآقع، خصوصًا وأن عدد كبير من الأحزاب المشاركة نفسها مازالت تُشكك في نوايا الحزب الحاكم "المؤتمر الوطني" بتنفيذ مايلي مصلحته فقط وإختزال الحوار في رؤية الجماعات الإسلامية فقط وإقصاء بقية الفاعلين السياسيين.
وتفصلنا ثلاثة أشهر فقط من الموعد المحدد لتنفيذ مخرجات الحوار وحاليًا يسارع البرلمان لإجازة التعديلات الدستورية الجديدة التي أقرتها الوثيقة الوطنية، ولكن السؤال، هل ستتوقف محاولات الآلية المعنية بالحوار عند هذا الحد أم تؤدي محاولاتها لإقناع الرافضين من قوى المعارضة والحركات المسلحة، فالموقف الذي تمر به البلاد يحتم على الحكومة تقديم تنازلات أكبر إذا كانت راغبة بحق في إحلال السلام في السودان والتخلي عن موقفها الرافض للقاء المعارضة خارج البلاد، فما الفارق وفي السابق عقدت اتفاق السلام للعام 2005 الذي أدى إلى إنفصال دولة جنوب السودان بضاحية "مشاكوس" في كينيا، وفاوضات دارفور بوجا وتشاد ووقفت في العاصمة القطرية الدوحة والحكومة نفسها مازالت تلتقي الحركات المسلحة في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا فلما تمانع هذه المرة من عقد لقاء تحضيري بشأن الحوار؟.
فما الفائدة من الحوار والأوضاع تتدحرج من سيئ إلى أسوأ والمتابع للشأن السياسي في السودان يلحظ أن الاوضاع في البلاد موغلة في التردي خصوصًا الأوضاع الاقتصادية، وفي هذا العام ارتفعت الأسعار بصورة جنونية وفقدت الحكومة البوصلة في السيطرة والمواطن أضحى يشكو إلى طوب الأرض، والأدهى والأمر أن وزير المال يعلن دون حياء أن الميزانية المقبلة للعام 2017 أغلبها للدفاع والأمن، وهذا مؤشر يدركه "راعي الضان في الخلاء" بأن هذا يعني استمرار الحرب في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان وسيل المزيد من الدماء والضحايا، فإلى متى هذا الخراب وتمترس كل طرف بموقفه في الحكومة والمعارضة أما آن الأوآن لتضع الحرب أوزارها وتوجه الموارد للتنمية وتحقيق شعار "السودان سلة غذاء العالم" الذي قرأناه في المناهج الدراسية منذ أن كنا صغارًا ولم نجد له صوره على أرض الوآقع.