الأشجار المزروعة في المدن

تسهم الأشجار المزروعة في المدن، في جعل الهواء الذي تتنفسه الكائنات الحية ولا سيما الإنسان أكثر قابلية للاستنشاق، لأنها تطلق الأكسجين، وتعمل على تنقية الهواء وتبريد الشوارع بالظل الذي توفره لنا وعن طريق عملية النتح، لكنها رغم ذلك تعاني المركبات بشتى أنواعها والتي تطلق غازاتها الملوثة .

 فأكاسيد النيتروجين تتلف أسطح أوراقها، وتترسب ذرات الغبار الدقيقة عليها مما يقلل من درجة امتصاصها للضوء وبالتالي عدم اكتمال عملية التمثيل الضوئي الضرورية لنموها . وفيما يتعلق بالمعادن الثقيلة ومشتقات الكبريت، فإن قطرات المطر تغسلها قبل وصولها إلى الجذور لأنها إن وصلت فإنها تسمم الأشجار وتجعلها أكثر عرضة للإصابة بالأمراض .

وفي فصل الشتاء، نجد أن الأشجار تكون في البلدان الباردة ضحية الملح الذي يرش على الطرق والأرصفة لإذابة الثلوج، ولكن هل للأشجار القدرة بالفعل على امتصاص بعض الغازات الملوثة والجسيمات العالقة في الهواء، وهل لا تزال فكرة زراعة الشجرة المناسبة في المكان المناسب صحيحة، أم أن الأشجار باتت تسهم في تفاقم ظاهرة التلوث؟ الواقع أن الدراسات أثبتت أن الأشجار لها القدرة على خفض التلوث بشكل افضل من الجدران الخضراء (ذات الغطاء النباتي) .
 فمنذ العام 2011 وضعت بعض المدن مثل لندن الواقعة في جنوب غرب كندا التي يبلغ عدد سكانها 350 ألف نسمة هدفا أمامها يتمثل في زراعة مليون شجرة على مدار سنوات عدة، وفي خلال 3 سنوات فقط أحيطت المدينة من جوانبها الأربعة بنحو 215 ألف شجرة، بل إن بعض السكان دخل في منافسة لتحطيم الرقم القياسي في زراعة الأشجار على غرار جيم كيرون الذي زرع بمفرده 250 شجرة والذي تم اختياره بوصفه (زراع السنة) في العام الماضي، كما أقدمت مدرسة فكتوريا العامة على زرع 421 شجرة .
 وعلى مسافة تزيد على بضعة الآلاف من الكيلومترات حذت مدن مثل (نيويورك، ودينفر، ولوس أنجلوس ومكسيكو) حذو هذه المدينة لتضع بدورها برنامج التحدي (المليون شجرة) . ويأمل سكان مدينة ساكرامنتو في كاليفورنيا استزراع 5 ملايين شجرة بحلول العام 2025 .
ويتساءل عدد من الباحثين، هل تمثل زراعة الأشجار الترياق الأمثل لحماية البيئة وخاصة المدن من التلوث؟ تقول الباحثة الألمانية جالينا شوركينا من معهد الدراسات المتقدمة في التنمية المستدامة في بوتسدام وهي عاصمة ولاية براندنبورغ الفيدرالية في ألمانيا: "يمكن أن تجذبنا مسألة الإكثار من زراعة الأشجار بغية إيجاد وسيلة أفضل للحصول على هواء نظيف وقابل للاستنشاق، ولكن ينبغي أن نعلم جيداً بأنه يتوجب علينا ألا نزرع أي نوع من الأشجار، فالمدن يجب أن تنتبه لمسالة اختيار الأنواع التي يتوجب زرعها لتجميل أو لتحسين مستوى الهواء، فكما أن الأشجار تقدم لنا خدمات، فإنها يمكن أيضاً أن تكون سبباً في تفاقم ظاهرة التلوث والتسبب في الأمراض .

وينطبق ذلك على أشجار مثل الدلب (نوع من الأشجار المعمرة متساقطة الأوراق، تتبع الفصيلة الدلبية) والسنديان والحور التي تطلق مركبات عضوية طيارة بكمية كبيرة مثل (الإيزوبرين: مادة سائلة، عديمة اللون عطرة، قابلة للاشتعال في الهواء) والتربين (مجموعة ضخمة ومتنوعة من الفحوم الهيدروجينية التي تنتجها مجموعة ضخمة من النباتات، بشكل خاص المخروطيات) .
ومن الأنواع التي تنصح بزرعها الباحثة شوركينا الأشجار ذات الأوراق الكثيفة والناعمة (الملساء) والمسطحة مثل الروبينيا أو الأكاسيا المزيفة و الحَوْر الأسود، الذي ينتمي للفصيلة الصفصافية، فهذه الأشجار قادرة على امتصاص كمية كبيرة من الغازات الملوثة من دون أن تعاني منها على المدى البعيد أو تقوم بتمثيلها .

وتقول الباحثة في قسم الدراسات في جمعية الوقاية من التلوث الجوي ماري آميلي كوني  في منطقة شمال بادو كليه الفرنسية "لو أردنا خفض معدلات تلوث الهواء من الأفضل أن تكون لدينا معلومات تتعلق بمفاهيم الديناميكية، بأن نفهم أن اصطفاف عدد كبير من الأشجار في مكان واحد لا يمكن أن يكون بمثابة الجدار المانع لحركة الرياح .