أطلق السياسي والإعلامي والكاتب نبيل عمرو، في متحف محمود درويش بمدينة رام الله، مساء أول من أمس، روايته الأولى "وزير إعلام الحرب"، الصادرة حديثاً، عن دار الشروق للنشر والتوزيع، في أمسية حاوره فيها د. إبراهيم أبو هشهش أستاذ الأدب الحديث في جامعة بيرزيت، وهي رواية تسجيلية تدور أحداثها في قرية "كفر عرب" ذات الدلالات الرمزية، وتسرد حكايات ثلاثة أيام من حرب حزيران، ونكسة العام 1967.
وأشار أبو هشهش إلى أنه "ليس هناك حدث في القرن العشرين أخذ من الاهتمام الأدبي والفكري والسوسيولوجي والثقافي أكثر مما أخذت هزيمة حرب العام 1967، ومن الصعب استعراض ما كتب عنها أو غالبيته، لكن من بينها: "هوامش على دفتر النكسة" لنزار قباني، ورواية "الكابوس" لأمين شنار، ورواية "أوراق عاقر" لسالم النحاس، وروايتا "الحرب في بر مصر" و"يحدث في مصر الآن" ليوسف القعيد، و"الزيني بركات" لجمال الغيطاني، و"حفلة سمر من أجل 5 حزيران" لسعد الله ونوس، و"الأشجار واغتيال مرزوق" لعبد الرحمن منيف، و"عودة الطائر إلى البحر" و"ستة أيام" لحليم بركات، وغيرها"، لافتاً إلى أنه يكاد لا يوجد كاتب فلسطيني- شاعر أو ناثر- لم تنعكس النكسة في كتاباته.
وأضاف: رواية نبيل عمرو هذه واحدة من الإسهامات الأدبية الأخيرة في النظر من مسافة كافية إلى هذه الحرب، وهي بذلك تخالف الأعمال الأدبية الأولى التي صدرت غبّ المأساة والحرب، وكانت في غالبيتها العظمى غارقة في الكابوسية، في حين إن السخرية كانت في رواية نبيل عمرو حاضرة بشكل لافت كما في رواية الصعود إلى المئذنة للروائي أحمد حرب، فالروايتان تنظران من بعيد ومن معايشة قريبة في الوقت ذاته إلى هذه الحرب، لذلك كانت هناك مسافة من السخرية والهدوء في تناولها.
وتحدث أبو هشهش حول العنوان "وزير إعلام الحرب"، لافتاً إلى أن العنوان عادةً، وفي أي عمل أدبي، يافطة مرفوعة على ناصية النص، وليس هدفه الوضوح، بل يلقي من الظلال الجانبية، بحيث يغيّب الدلالة أحياناً أكثر مما يكشفها .. فيما يتعلق بهذا النوع وارتباطه باسم نبيل عمرو فإن الأمر يزداد التباساً، خاصة أن الروائي كان وزيراً للإعلام، وناطقاً باسم المنظمة أو أحد الناطقين باسمها في العام 1982 ببيروت، ولكن سرعان ما يتضح للقارئ أن هذا الالتباس ليس إلا مجرد وهم أدبي يحدث عادة، وهو وهم مقصود يحدثه الكاتب، لأن الهدف من وراء أي عمل سردي إحداث مثل هذه الأوهام، ثم الكشف عنها أو تعزيزها في سبيل أخذ القارئ شيئاً فشيئاً إلى جوّ النص من خلال آليات الترقب والمفاجأة، وإثارة فضول القارئ ثم إشباعه بالتدريج.
بدروه قال نبيل عمرو: للعنوان قصة، فهو لقب أحد أبطال الرواية .. في ذلك الزمن كان "وزير إعلام الحرب" هو المنادي الذي كان يؤذن للناس، ولجمال صوته بات منادياً، وبات الملجأ للتحشيد الحربي، فأسماه قائد المخفر بالفعل "وزير إعلام الحرب" .. هذه حكاية العنوان ببساطة، وفي ذلك الوقت الذي كان فيه المنادي وزيراً لإعلام الحرب، لم أكن وزيراً أو خلافه، كان عمري قرابة العشرين عاماً.
وأضاف: قد يحاكم البعض ما كتبته بأحكام نقدية صارمة، لكنني كتبت نصّي، وكما أَقرأ أحب أن أُقرأ، فالنص الذي يعجبني أعتبره نصّاً جيداً، والذي لا يعجبني، ولو كان عالمياً، لا أعتبره كذلك، لافتاً إلى أن ما ورد في الرواية حقيقي، مع دمج في بعض الشخوص، وتغييرات ورتوش طفيفة على بعضها بالأسماء والصفات وغير ذلك، مشيراً إلا أن نهاية الرواية الفعلية هي برفض "وزير إعلام الحرب" عبد الشقي في الرواية، أو "عبد الشكي" كما أسمته المجندة في جيش الاحتلال، بالمناداة لصالح الاحتلال بخصوص جمع الأسلحة من حامليها المقاومين، فمن نادى على استلام السلاح رفض المناداة على تسليمه.
ووصف أبو هشهش الرواية بالممتعة والسلسة، وبأنها تنتمي إلى "السرد البسيط"، لافتاً الى أن البساطة هنا ليست ضد العمق ولا ضد الأصالة، إنما هي خيار جمالي، وهو مناسب لطريقة نبيل عمرو في الكتابة، ولطبيعة شخصيته، كاشفاً أنه "يشارك الكاتب تقريباً في الخلفية النصّية الكاملة لروايته، فأنا أعرف البلد المكنّاة بكفر عرب، وهي دورا، وعشت فيها، وأعرف سكانها، وجميع أبطال حكايات الرواية تقريباً، فعاشرت بعضهم، وكلمت آخرين، ومشيت في جنازات بعضهم الآخر، وسمعت عن البعض، وغير ذلك من التفاصيل"، لافتاً إلى أن ما ينطبق على دورا أو "كفر عرب" حدث في كل قرية أو مدينة عربية جراء نكسة حزيران.
وحول اتجاهه إلى الكتابة حول النكسة بشكل الرواية، ولو السيرة أو غيرها، مع أنها قطعة من مذكراته، أجاب عمرو: الرواية على بساطتها، وأنا ممن يعشقون البساطة، قراءة وكتابة، وأرفض أن يرتبط التبسيط بالسذاجة والسطحية، بل إنه أقرب مسافة إلى الحقيقة، لكن دون إسفاف حتى على مستوى اللغة، لأنني أؤمن بأن الفكرة التي تستطيع التعبير عنها بسطر واحد لا داعي لأن تكتب عنها بسطرين اثنين .. اتجاهي للرواية لأن الأمور اتجهت بهذا الاتجاه، وربما لأنني قمت بدمج بعض الشخصيات في واحدة، وهذا حدث مع عديد الشخصيات، كما في حال شخصية "موسى أبو علوان"، لافتاً إلى أن الحدث هو بطل الرواية، وأن الكثير من أحداثها ينطبق عليها القول "حدث ذلك فعلاً".
من جهته، كشف الروائي يحيى يخلف أن هذه الرواية لنبيل عمرو بقيت لديه لثلاثين عاماً أو يزيد، بل إن ملامحها تشكلت منذ منتصف ونهايات سبعينيات القرن الماضي، لافتاً إلى أن مرحلة الطفولة والشباب هي مرجعية الكاتب في بقية سني حياته، وهنا مزج نبيل عمرو في هذه الرواية ما بين حكاية المكان في دورا، بكل حمولتها، وما بين شخصيات كبرت معه منذ طفولته وشبابه.
وأضاف: هذه الرواية يمكن للبعض أن يتعاطى معها كنص، ويمكن لآخرين أن يتعاملوا معها كرواية، ولكن في داخل هذا النص أو الرواية روايات كما أشار صاحبها، وباعتقادي فإن كل شخصية في هذه الرواية يمكن أن تشكل مدخلاً لرواية منفصلة، مستعيداً كلمة الشاعر الكبير محمود درويش في وصف الرواية التي تروق له بكلمة "ممتع"، مؤكداً أنه استمتع بقراءة "وزير إعلام الحرب"، مرحباً بنبيل عمرو في "نادي السرد الفلسطيني".
قد يهمك أيضًا:
فاطمة المرنيسي تكشف عن العديد مِن الكلمات المرتبطة بعالم الحريم
توقيع كتاب "روشتة السعادة" لـ مبروك عطية الخميس
أرسل تعليقك