الرباط ـ وكالات
في إطار ‘ملتقيات الإبداع المغربي’، نظم مركز ‘أجيال 21′ للمواطنة والديمقراطية بمدينة المحمدية مؤخرا حفل تقديم وتوقيع كتاب ‘ أناشيد الذاكرة ‘ للصحافي والكاتب المغربي عبد الصمد بن شريف، بمشاركة الكتاب والباحثين محمد الأشهب، حسن طارق، عبد الغني عارف.
في مداخلة امتزج فيها الذاتي بالموضوعي، تحدث محمد الأشهب عن الكتاب المحتفى به وعن مؤلفه قائلا: ‘بعد أن عرفته صحفيا لامعا يبعد ذاته عن خطوط التماس، أذهلتني قدرته الفائقة في الإصغاء إلى الذاكرة، إذ ينبثق منها شخوص وعوالم و أمكنة وتجارب حولت الوحدة و القسوة إلى أناشيد. لسنا أمام أصوات متعددة فالنشيد واحد، من صرخة الميلاد إلى عنفوان الوجود، ومن التوغل في أعماق ظلم الليل وجدران النفي إلى الإبحار في العيون التي توزع الأمل. هو درب واحد لا أكثر يتشعب في بدايته ومنتهاه. من قرية صغيرة في بني بوفراح إلى عتمة العزلة في معتقل كريه الرائحة في وجدة، ومن شوارع الرباط وطنجة إلى ملاذات بيروت والقاهرة وأهرامات الحجر الذي صنع الانتفاضة في فلسطين، يصر بن شريف على أن يكون قاسيا على نفسه ورحيما مع الآخرين، لكن متى كانت الكتابة خالية من الرأفة والقسوة وتداعيات البوح الذي يهز المشاعر؟’
وأضاف لشهب قائلا: أن يعبر الكاتب عن واقع سلبي وسوادوي، فهو لا يفعل أكثر من انتقاء المشاهد التي يخفيها الغير. أن تكون كلماته صادمة وهو يقارب بين المصائر، حيث الأقدام و الأيادي تنوب عن العقول، فإنه لا يزيد من تشخيص هموم الكتابة والحياة، غير أنه لم يسع إلى الانتماء لهذا العالم، بل إن فيض الذاكرة أرغمه على الانتماء لذاته، لقريته ومدينته ووطنه وأحلام جيل تبعثرت في الهواء.
لا يطرح بن شريف السؤال، بل يجيب عنه على امتداد المائة وخمسين صفحة، حيث يتردد صدى القلق عندما ينتشله الأرق من حميميته، ويدفع به إلى التجوال أو الارتماء بين أحضان كرسي في المقهى أو يستأجر من نفسه شققا يسكن بها، وهي التي سكنته ولم تفارقه أناء اليقظة والنوم. و مع أنه يقر بأن الكاتب يخسر جسده وذاكرته الحافلة بتلوينات القلق فإنه يستدرك في أنشودة المكان بأن الكتابة عن الأشياء المنفلتة من بين الأنامل والأبصار ‘لابد أن تكون مسكونة بشبق المغايرة ومجهزة بأرقى الأدوات الضرورية لاختراق اللامكتوب.’
بهذا المعنى فالكتابة لديه أكثر مشقة وجدوى، إنها تأمل في الذاكرة والوجدان حتى إذا ضاقت المسافة بينها وبين الواقع، تمتد إلى توسيع رقعة الهامش الذاتي الذي يمنحه صلابة الوقوف والاستمرار. إنها كتابة خارجية بصوت داخلي تغلب عليها سردية شعرية أقرب إلى قصائد النثر أو المونولوغ الداخلي الموزون.
وختم لشهب مداخلته بالقول: أستطيع أن أجزم بانفصام المبدع عن لغة التقارير الإعلامية التي تميز عالم الصحافة، لولا أن بعض الانسياب يدفع إلى تسمية الثلاث سنوات التي قضاها في المعتقل بأسمائها الحقيقية، وتلك حالة تشد الكاتب إلى تجربته الحية التي لا تسقط بالتقادم. يا للهول، هل من الضروري أن ترتبط لعنة الكتابة بجحيم الاعتقال؟ ينقلنا الكاتب إلى ملاذات أخرى يمكن أن نطلق عليها أسر الخواطر والعقول. وهو الشعور الذي يلازم الكاتب عبر المحطات التي يعبرها، ملتزما بقيمة الإنسان وروح الإبداع، لكنه ينتقم من الشكل التقليدي للكتابة ويثور عليه، ليس لأن أصناف القول تعجز عن التبليغ، ولكن لأن أي تجربة فريدة في الكتابة تتطلب وعاء فريدا يشذ عن القاعدة وتصنيف فنون القول.
أرسل تعليقك