في حوار له مع الشاعر خالد جمعة عن رواياته وتاريخ الإعلام الفلسطيني، تحدث الروائي والقاص زياد عبد الفتاح عن الحركة الإعلامية الفلسطينية في بيروت في أوائل الثمانينيات وعن رواياته وقصصه، وكيف تأثرت بحياته كإعلامي في صفوف منظمة التحرير، وكيف أثّر هو على الإعلام الفلسطيني في ذلك الوقت.وجاء حواره مع الشاعر خالد جمعة، كما يلي:
خالد: كيف يمكن أن تخطر فكرة كإنشاء جريدة المعركة على بال بشر بين الصورايخ والدبابات، وفوق ذلك جريدة يومية؟
زياد: كانت الحرب تقترب على لبنان عام 1982، وكنت قريباً من المطبخ السياسي وكنت أعمل مع ياسر عرفات منذ 1972، وكنا نعلم أن هناك اجتياحاً للبنان وليس حرباً. توقفت أفكر في تلك الفترة بدوري في تلك المرحلة، فقررت أن أسفّر زوجتي وابنتي من بيروت لأتفرغ للحركة، باعتباري مسؤولا لوكالة الأنباء الفلسطينية وكانت عل مهمة إعلامية يومية عليّ أن أقوم بها، ففرغت نفسي ذهنياً لأقوم بتلك المهمة. كانت عيني على الناس من حولي في منطقة جغرافية صغيرة هي بيروت الغربية. كنت أعلم أن بعض زملائي من المثقفين والإعلاميين لا يريدون الخروج ولا اتخاذ أي فعل، فبحثت ووجدت أن أستعين ببعض المثقفين العرب كحيدر حيدر وسعدي يوسف وعدلي فخري الذي كان يعزف العود للناس في الملاجئ، وعدد كبير آخر. طرأت لي فكرة أن نجتمع نحن الكتاب الفلسطينين واللبنانيين والعرب، لنرَ ماذا نفعل في هذا الجحيم الذي هو حصار بيروت. دعوت كل من يمكن دعوتهم وكان من بينهم عدد كبير من الصحفيين والكتاب من ضمنهم محمود درويش ومعين بسيسو وحنا مقبل وتشاورنا. طرحت إنشاء إذاعة جوالة، ولصعوبة تنفيذ ذلك اقترحت إنشاء صحيفة يومية، تغلبنا على العقبات جميعها واقترحت أن يكون محمود درويش رئيس تحرير الجريدة، ورغم كون معين بسيسو أكثرنا حماسة لفكرة الصحيفة اقترح محمود درويش بمكره أن أكون أنا رئيس التحرير فوافقت تجنباً لكثرة النقاش بالموضوع ولنسرع بالتنفيذ.
خالد: عن دور ياسر عرفات في الإعلام؛ كيف كان موقفه من علي فودة واستجابته لطلب تمويل جريدة الرصيف، رغم شتيمة علي له؟
زياد: أنا محب لياسر عرفات؛ وهو كان يحبني وإن لم أكن الأثير لديه. كانت هناك مجموعة يدعوها أبو عمار الحشاشين فكرياً وأنا منهم. جاءني يوماً علي فودة من مخيم نور شمس. كنت أعرفه ومجموعة أخرى يجلسون على طاولة مطعم على الرصيف ويبدؤون بالتنظير للثورة العالمية ولا شيء ولا أحد يعجبهم. كانوا يشتمون أبا عمار وأبا إياد وغيرهم، وكان أبو عمار يعرف بذلك. في يوم من الأيام سألني: مين دول؟ قلت له من هم. كنت وقتها أصدر جريدة المعركة تحت حصار بيروت، جاء علي فودة وطلب مني أن أنقل لأبي عمار أنهم يريدون إصدار جريدة جديدة، ورفض أن يكتب في جريدة المعركة لأنه قال إنها جريدة متعفنة. نقلت الفكرة لأبي عمار، فقال: إن هذا الزمن الذي به هذا العدوان الإسرائيلي الكارثي، يلزمه حشاشون كهؤلاء؛ وهكذا صدرت جريدة الرصيف.
خالد: كان لنا صديق اسمه عبد الحميد الخرطي، استشهد على باب مستوطنة في المغراقة بقطاع غزة، كتبتَ رواية كاملة كان أحد أبطالها...
زياد: خالد يقصد رواية المعبر، كان الهدف منها أن أبين بشاعة المعاناة الفلسطينية على المعابر الإسرائيلية. لم يكن الهدف خطاباً سياسياً، كان الهدف هو بيان المعاناة من خلال أشخاص، ولكن كونها رواية يجعلك تمدّ الحكايات وتتحدث عن أشياء حدثت وأشياء لم تحدث، فأخذته وكان رساما ممتازاً، كبطل للرواية. تحدثت عن معبر رفح والمصريين والإسرائيليين، وذكرت حواراً دار بيني وبين ضابط إسرائيلي على المعبر ونقلته كما هو. أحببت أن أكسر حدة السرد المليء بالشجن فعملت شيئاً مفرحأ وأخذته إلى باريس التي كان قد زارها حقيقة من خلال إحدى المؤسسات وأعطيته قصة حب مع صبية فرنسية. ما حدث بعدها عندما عاد، كان هناك نوع من التوتر وابتدأ القصف والاجتياحات لقطاع غزة فانضم لطواقم الإسعاف وقتلوه ثم قطعوا أصابعه.
خالد: نتحدث عن تجربة مختلفة تماماً هي رواية دار الجيش، ذكرت فيها مجموعة من العمال الفلسطينيين الذين وصلوا وعملوا لكن وضعهم كان مأساوياً، حدثنا عن تجربتك التي تعرضت لها من خلال الرواية.
زياد: دار الجيش ليست لها علاقة بالجيش ولا العسكر. هي حوش عربي مكون من خمس غرف وعليتين. بدأت بها منذ النكبة وبداية معاناة الفقر وإرسال الأولاد للعمل، فكانوا من الفقر يعودون للنوم في هذا البيت، وصار العدد في الدار يصل إلى خمسة وعشرين شخصاً. الأمر الذي جعل ذلك ممكناً هو اختلاف مواعيد عمل الشباب. عملت على حوالي عشر شخصيات لا أدعي أنهم كلهم من نسج الخيال، بعضهم عرفتهم. في ذلك الوقت كنت قد احترفت الكتابة فنميت الشخصيات حتى أنقلهم من مجتمع الفقر إلى مجتمع أعلى قليلا أو كثيرا حاملين معهم الأمراض التي تعيشها الكويت، وطبعاً كانت هناك قصة حب، فلا تنفع الرواية دون حب، كما لا ينفع الحب دون رواية. في هذه الرواية عددت سلبيات المجتمع الكويتي باستخدام الرمزية في الرواية دو أية إساء.
خالد: يتفق معظم النقاد على أن وداعا مريم هو أكثر أعمالك نضجاً فنياً وأقرب في أسلوبه إلى الأدب اللاتيني الذي كتب عن الطغاة. في روايتك رئيس مستبد يُقتل على يد بطل الرواية. هل كان لدينا رئيس كهذا؟ وكيف مررها لك أبو عمار؟زياد: ظُلمت رواية وداعاً مريم بسبب النميمة الفلسطينية. كنت أعمل مع أبي عمار بشكل يومي، فلن أكتب رواية تدينه أو تعريه. ليست لدي أية مشاكل مع ياسر عرفات. للذين لا يعرفون، عملي الصحفي أغناني كثيرا في الكتابة الروائية. كرئيس لوكالة وفا كنت كثيرا ما أحضر مؤتمرات للقمة، كنت في الجزائر، ورأيت الرئيس الجزائري يذهب لاستقبال الرؤساء واحدا واحدا، فرأيت أحد الملوك يصل على متن باخرة، فأشفقت على الرئيس الجزائري رغم أنني لا أحب الرؤساء كثيراً، حيث استقبال المطار مختلف عن استقبال البحر... فرأيت أنه يجب فضح هؤلاء الدكتاتوريات ولم أقصد بها أبا عمار، وليست مشكلتي أنه تم تأويلها لذلك. يجمع النقاد على أنها أفضل عمل روائي لي رغم أنني أختلف معهم.
خالد: وكان لمحمود درويش رأي في الرواية، أليس كذلك؟
زياد: كنت حريصاً على رؤية الرواية وافية. كان محمود درويش يقيم في غرفة بمنزلي عندما يأتي إلى تونس من مكان إقامته في باريس، لكنه لم يكن يعرف أنني أكتب رواية، أرسلتها له في البريد السريع فاتصل بي في نفس اليوم الذي وصلته فيه، ليخبرني أنه ألغى موعداً للغداء ليكمل قراءتها، وأنه أنهاها للتوّ.
وكتب ناقد عراقي لي على ورقة عندما قرأها: ما فائدة النقد التقليدي عندما يغنينا النص ويثرينا ويغنينا. فقلت لنفسي ساعتها أنني نجحت ونشرتها و"فاعت عليّ المدبرة."
لست متأكداً من أن أبا عمار قرأها أو لا، لكنني متيقن أنها وصلته تقريراً.
خالد: أصدرت كتابين مؤخراً أحدهما حول العدوان على غزة، أنت رجل عشت في بيروت والكويت وتونس، ثم حطت بك الرحال في غزة. كيف اختلفت التجربة الإعلامية عنها في غزة؟
زياد: حتى أفكاري تغيرت بعض الشيء. في الماضي كانت الثورة الفلسطيني وحركة فتح وكلنا "رجلينا بالفلقة" ولم يكترث أحد كيف نبدأ التجربة. لكن المبدأ كان أن لا نكذب أبداً. القضية الفلسطينية قضية حق، فليست هناك حاجة للاختلاق. فأخذنا هذا المنهج في وكالة وفا على الأقل. لم يكن سهلاً أبدا عام 1972 أن تؤسس وكالة أنباء فلسطينية في ظل وجود مؤسسات لها إمكانية كبيرة جداً، وهنا أحيي د. رشيد الخالدي لأنه جاء متطوعاً هو وزوجته د. منى الخالدي للوكالة لنقل ما تقوله للغة الانجليزية بسبب ما يسمعه من تحريف للحقائق المتعلقة بالقضية في وكالات الأنباء العالمية، أحييهما لأنهما قد رفعا من قيمة الوكالة بشكل كبير.
زياد عبد الفتاح هو مؤسس وكالة الأنباء الفلسطينية وفا عام 1972 والتي بقي رئيساً لها حتى عام 2006 وهو أحد مؤسسي إذاعة العاصفة ومشارك في تأسيس إذاعة درعا وكاتب في مجلة فلسطين الثورة ومنشئ لجريدة المعركة التي كانت تصدر يومياً أثناء اجتياح لبنان عام 1982، وخرج من بيروت مع المقاتلين وهو يحمل حقيبة تحوي أعدادها الستينوهو أيضاً رئيس تحرير مجلة اللوتس الناطقة باسم اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا، ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات ورئيس تحرير مجلة رؤية البحثية التي صدرت عنها وأصدرت واحداً وثلاثين عدداً قبل أن تتوقف عام 2007.
هو أيضاً الصديق الشخصي الأكثر قرباً للشاعر محمود درويش والذي أشار إليه بالرمز "ز" في كتابه ذاكرة للنسيان، وكان يملك بيتاً في تونس فيه غرفة مغلقة لا تفتح إلا عند حضور محمود درويش إلى تونس، ورغم ذلك هو الوحيد الذي لم يكتب عن محمود درويش بعد موته.
زياد عبد الفتاح مولود في طولكرم، وعمل مدرساً في أريحا ونابلس ومخيم طولكرم، وانتسب عام 1967 إلى حركة فتح، وحصل على دبلوم في التربية وعلم النفس، ثم تخرج من جامعة عين شمس من كلية الحقوق.
أرسل تعليقك