واشنطن - عادل سلامة
بعد رحلة طويلة ومخيفة عبر ثلاثة بلدان للهروب من عنف العصابات في السلفادور، وجد صبي يبلغ من العمر 15 عامًا نفسه خائفًا من جديد قبل شهور قليلة، عندما وقف أمام محكمة الهجرة الفيدرالية الأميركية. فقاضي المحكمة أمامه والنيابة على يمينه، ولكن لا يوجد أحد يساعده على فهم الإتهامات الموجهة إليه.
"إني خائف، لقد كنت على وشك إرتكاب فعل خطأ"، قالها الصبي بالإسبانية في حجرة عمه في منزل متواضع مصنوع من الطين في هذه البلدة الجنوبية. وأضاف "عندما سألني القاضي، كنت فقط أهز رأسي بالايجاب أو السلب، لم أكن أريد أن اقول شيئًا خطأ".
وفي كل أسبوع في محاكم الهجرة في جميع أنحاد البلد، يقف الأطفال أمام المحاكم، يلبعون دور المحامي لأنفسهم، طالبين اللجوء أو أي نوع من الإغاثة في نظام قانوني لا يفقهون فيه شيئًا.
المتهمون بالقتل، والخاطفون وغيرهم من المتهمين بقضايا جنائية أيًا كان عمرهم، يترافع عنهم محامون عينتهم المحكمة، إذا لم يكن بمقدورهم أن يوكلوا محاميا. ولكن الأطفال المتهمين بخرق قوانيين الهجرة، وبجنحة محلية، ليس لديهم نفس الحق. وفي محكمة الهجرة، يواجه الأشخاص اتهامات من الحكومة، ولكن الحكومة لا تسمح بالدفع بمحامين للترافع عنهم، سواء للصغار او للكبار، وذلك وفقا لقانونيين.
ووفقا لبحث أجرته المجموعة البحثية التابعة لجامعة سيراكيوز "تبادل معلومات سجلات المعاملات"، فإن وجود محامٍ يحدث فارقًا، إذ ان بين أكتوبر/تشرين الأول 2004 ويونيو/حزيران من هذا العام، فإن أكثر من نصف الأطفال الذين لم يكن لهم محام تم ترحيلهم. واحد فقط من 10 أطفال الذين تم تمثيلهم قانونيا، تم ترحيله.
وقال محامي مشروع حقوق المهاجرين التابع لإتحاد الحريات المدنية الأميركي ستيفين كانج:" لقد بحثنا عن أي نظام قانوني في أميركا يطلب من الاطفال أن يمثلوا أنفسهم في مواجهة النيابة، سواء في قوانيين رعاية الأطفال أو الاحداث، فلم نجد". وأضاف "ما يحدث في محكمة الهجرة انحراف عن النظام القانوني، فالأطفال يواجهون النيابة في المحكمة وجها لوجه ويمكن أن يكون لذلك عواقب وخيمة حياة أو موت عليهم". ولقد حاول الاتحاد مع غيره من المنظمات الحقوقية المدنية رفع دعوى قضائية لتغيير هذا.
وفي مذكرة للدائرة التاسعة من محكمة الإستئناف الأميركية، أصرت النيابة على أن "الأجانب الذين تنظر ضدهم قضايا إدارية مدنية من حقهم أن يمثلهم محام، ولكن ليس من حقهم تعيين محام للدفاع عنهم، من أموال دافعي الضرائب". وحتى الآن لم تنفق الحكومة ملايين الدولارات الموجهة لتمثيل الأطفال غير المصحوبين في محاكم المهجرة، والممولة عبر برامج "بالس مور" وبرنامج "تينسيا" المقدمين من وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.
وقال أريك هولد، مدير رابطة المحامين، إنه حتى وإن لم يكن لهؤلاء الأطفال حق دستوري في توكيل محامي، فإن التزامنا الأخلاقي يوجب علينا تعيين محام لهم. وقالت كاثرين ماتيلنغي، المتحدثة باسم المكتب التنفيذي لمراجعة الهجرة، التابع لوزارة العدل، إن "عامة التمثيل القانوني يعزز فاعلية وكفاءة إجراءات الهجرة".
وأغلب الاطفال الذين يظهرون في المحاكم من أمريكا الوسطى، فارين من الفقر والعنف، ما يجعل من السلفادور وغواتيمالا وهندوراس من أخطر دول العالم.
وتحدثت الصحف منذ عامين على اختراق صبية لحدود أميركا مع المكسيك، ولم تستوعب السلطات المكسيكية الحادث، فتم احتجاز الصبية في مركز حرس حدود في ماك ألين في تكساس، وفي سجن في نوغاليس وأريزونا، وجعلتهم يستلقون بجانب بعضهم البعض وراء أسوار متصلة بسلاسل، على فراشات رقيقة تنتشر على أرضية خرسانية.
لم يؤد هذا الى وقف الهروب، فقد زاد خاصة في منطقة بيك بين في تكاس وحول يوما وأريز، حيث أخذ المهربون طرق أخرى لتجنب السلطات. ووفقا لبيانات حرس الحدود فإنه تم إلقاء القبض على 37,714 صبيا من أميركا الجنوبية على طول الحدود الجنوبية في الفترة بين أكتوبر/تشرين الاول ويوليو/تموز أو في العشرة شهور الأولى من العام الحالي المالي، بارتفاع 33% عن العام الماضي الذي سجل 28,387 حالة قبض، وعام 2014 الذي سجل 51,705 حالة.
وقالت فيكتوريا بالمر، المتحدثة باسم مكتب إعادة توطين اللاجئين، إن عدد الأطفال في الملاجئ يتغير من يوم إلى الأخر. ففي أول أغسطس/آب كان 7,900 طفل تحت إشراف الحكومة، وهناك 2,300 سرير متاح.
واعلنت سارة فان هوفيغن، محامي الأطفال غير المصحوبين في المجلس العام: "قائمة الانتظار أصبحت طويلة، وليس من العدل وضعشخص أخر في قائمة الانتظار. نحن نقول للأطفال معذرة فإن الاستدعاء خلال ستة أشهر، والاستدعاء وقت أخر، وأصبح من الشائع الاستدعاء في خمسة أو ستة أماكن".
وقدم المحامي في اتحاد الحريات المدنية الأميركية مات آدم في 2014 دعوى ضد الحكومة الفيدرالية لصالح 9 أطفال يتراوح أعمارهم بين 10 إلى 17 عامًا، يمثلون أنفسهم في جلسات الترحيل. وفي بداية هذا العام أنذر القاضي أحد الأطفال قائلا: أما أن تأتي مع محام أو تعد نفسك للترافع الجلسة المقبلة.
وطفل آخر من السلفادور، سمحت أسرته له بالتحدث شرط إخفاء الاسم حتى لا يكون خطر على وضعه القانوني، حاولت أن ترفع قضية مقابل 6 آلاف دولار، ولكنها رفضت دفعهم فيما بعد عندما بدا المحام مترددًا بشأن فرص نجاحها.
وقال عم الطفل إن أول جلسة له كانت في أبريل، وكان يأمل في أن يتحدث بالنيابة عنه، ولكن القاضي رفض، لذا وقف الطفل مقام المدافع عن نفسه، وكان يهز رأسه بينما يسمع ترجمة أسئلة القاضي، حتى أن القاضي قال له إنه يجب أن يتكلم.
إلا أن محامي مشروع حقوق اللاجئين والمهاجرين في فلورنس، عرض على عم الطفل أن يترافع عنه. وقالت مديرة المشروع لورين داس "هدفنا الدفاع عن أي شخص".
وأعطوا 7,500 محاضرة في الملاجئ حول معرفة الأطفال حقوقهم فيملاجئ أريزونا، وقالت إن المحامين أخبروا الأطفال عن دور قضاة الهجرة وماذا يحدث في المحكمة. وأعطوا الأطفال بطاقاتهم، وشجعوهم على الاتصال. ودارت شكوك العم حول غرض المحامي، خاصة أنه أندهش من الترافع المجاني. وعلى الرغم من ذلك أخذ معه ميعاد. ففي 5 أغسطس/آب، أعطى القاضي الطفل مهلة لتقديم طلب إغاثة.وسيعود في أكتوبر/تشرين الأول الى المحكمة، ولكن سيكون معه محام هذه المرة.
أرسل تعليقك