رفض وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، الحلّ الجمركي الذي فضّلته رئيسة الوزراء تيريزا ماي، في البريكست ووصفه بأنه "مجنون" ويعدّ خيانة للوعد الأساسي "لإعادة السيطرة" على أموال المملكة المتحدة وقوانينها وحدودها.
وأوضح وزير الخارجية، المدعوم من كبار قادة البريكست، أنّ فكرة السيدة ماي عن "الشراكة الجمركية"، عارية تماما عن الصحة، كما طالب نواب بريطانيون الأربعاء، رئيسة الوزراء تيريزا ماي، بسحب مقترح يقضي بإبرام شراكة جمركية مع الاتحاد الأوروبي من طاولة المفاوضات. وحذّر النواب الأعضاء في مجموعة الأبحاث الأوروبية بمجلس العموم، من إبرام شراكة جمركية مع بروكسل لتعويض العضوية في الاتحاد الجمركي، قائلين إنها ستحدّ من قدرة بريطانيا على إبرام اتفاقيات للتجارة الحرة مع دول أخرى من داخل التكتل الأوروبي.
إبرام شراكة جمركية يتطلب التزامًا بريطانيا بالتكييف مع نظرائها الأوروبيين
وأكد النواب البريطانيون على أن الشراكة الجمركية تنطوي على تسع مشكلات رئيسية ستجعل بريطانيا سجينة للقرارات الأوروبية مستقبلا، معتبرين أن هذا النوع من الشراكة سيجعل من وزارة التجارة الدولية البريطانية، هيئة لا معنى لوجودها. واعتبر النواب أن إبرام شراكة جمركية يتطلب التزاما من بريطانيا بتكييف تشريعاتها وإجراءاتها الاقتصادية والتجارية مع نظرائها الأوروبيين، وهو ما يعني أن البلاد ستفقد استقلاليتها في هذا المجال وبالتالي سيفقد استفتاء 2016 قيمته.
ودعا النواب إلى ضرورة أن تعلن الحكومة تخليها عن هذا المقترح فورًا باعتبار أن التعطيل في اتخاذ قرار بشأنه يعد قرارًا في حد ذاته وسيعطي الانطباع بأن الحكومة مستمرة في دراسة جدوى هذا المقترح.
أكبر المشكلات التي تواجه المفاوضين الأوروبيين والبريطانيين القضية الأيرلندية
جاء إعلان هذه الوثيقة تزامنا مع اجتماع مهم لرئيسة الوزراء مع اللجنة التي تضمّ الوزارات المرتبطة بشكل مباشر مع مفاوضات الانسحاب، بهدف بحث مستجدات المفاوضات مع الجانب الأوروبي، ويأتي تقديم اقتراح ينص على إبرام شراكة جمركية بين بروكسل ولندن بعد انسحاب الأخيرة من المجموعة الأوروبية كحل وسط لتجاوز معضلة الحدود البرية بين أيرلندا الشمالية التابعة لبريطانيا وجمهورية أيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي.
وتعد القضية الأيرلندية أكبر مشكلة تواجه المفاوضين الأوروبيين والبريطانيين لكونها ترتبط بالحدود البرية الوحيدة بين الأراضي البريطانية والأوروبية.
المملكة المتحدة تقوم بجمع التعريفات نيابة عن الاتحاد الأوروبي عن البضائع المتجهة إليه
يُذكر أن مجموعة الأبحاث الأوروبية في مجلس العموم تضم في عضويتها 60 نائبًا من النواب المحافظين الأكثر تأييدًا لمطالب الانسحاب الصريح والسريع من الاتحاد الأوروبي وغالبيتهم يرفض تقديم أي تنازلات للطرف الأوروبي، ولو كلف الأمر نهاية المفاوضات، دون توقيع اتفاق نهائي يحدّد أطر العلاقات المستقبلية بين لندن وبروكسل.
ووفقا لما ذكرته صحيفة "التليغراف" البريطانية سوف تقوم المملكة المتحدة بجمع التعريفات نيابة عن الاتحاد الأوروبي عن البضائع المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي لكنها حرة في تحديد الرسوم الجمركية على السلع الأخرى. وبدلا من ذلك، يدعم جونسون فكرة استخدام "أقصى تسهيل" للجمارك يسمى نظام "ماكس فاك" باستخدام التكنولوجيا ومخططات التجارة لتهدئة التبادل التجاري مع أوروبا كجزء من اتفاقية التجارة الحرة التي لا تتضمن أي تعريفة.
وأشار داعمو الخروج البريطاني في مجلس الوزراء، إلى أنه إذا تم الاتفاق على تطبيق مقترح الشركات الجمركية فإنهم سيظلون بحاجة إلى معرفة كيفية قيام ترتيبات لحل مشكلة الحدود الإيرلندية. وللقيام بذلك، يجب عليهم الوفاء بتعهد الحكومة البريطانية بعدم فعل أي شيء لكشف اتفاق الجمعة الحزينة أو وضع حدود للسلع في البحر الأيرلندي من شأنه أن يهدد السلامة الإقليمية للمملكة المتحدة.
يُذكّر أن الأيرلنديين ببساطة يستخدمون قضية الحدود الإيرلندية لإجبار المملكة المتحدة على البقاء في الاتحاد الجمركي في توافق مع السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي للسلع، وكما رأينا من قبل في هذه المفاوضات بموجب المادة 50 فإن تأثير انقضاء المهلة منذ عامين قد مكّن الاتحاد الأوروبي من وضع وتنفيذ جدول الأعمال مرارا وتكرارا.
وفي "التقرير المشترك" الذي أصدره الجانبان في ديسمبر/ كانون الأوَّل الماضي، والذي وعدت فيه الحكومة البريطانية بتجنب الحدود الصعبة "بما في ذلك أي بنية تحتية مادية أو ضوابط ذات صلة"، كان هذا شرطا لفتح المحادثات بشأن التجارة والعلاقات المستقبلية، وكما أنّ أحد الحلول هو التراجع عن هذا الوعد، وهو ما يقترحه مركز أبحاث تبادل السياسات في ورقته هذا الأسبوع تحت عنوان "حلول الحدود الأيرلندية"، ومن المعروف أن المملكة المتحدة يمكن أن تترك الاتحاد الجمركي وتتجنب الحدود الصعبة من خلال إعادة تعريفه الجمركية.
وفي رسالة جونسون إلى السيدة ماي في فبراير الماضي، بدا أنه ذو موقف عدائي، بحجة أنه "من الخطأ أن نرى المهمة تقتصر على عدم حل مشكلة الحدود. ونظرا للإطار الزمني المتضائل لمفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وللاجابة عن سوال: لماذا لا تملك الحدود الأيرلندية كمية محدودة من التكنولوجيا؟ يقول مؤيدو إعادة رأب الصدع، إنه من الممكن الحصول على أجهزة للتصوير الآلي، وقيام بعض عمليات التفتيش على الحدود على بعد بضعة أميال، تقديرا للإمكانيات المحلية المحدودة، إلا أن المشكلة هي أن دائرة الشرطة في أيرلندا الشمالية لا توافق على هذا الرأي.
حزب "الشين فين" الوطني الأيرلندي يتحكم في الدوائر الانتخابية على الحدود الشمالية والجنوبية
يُذكر أن جميع الدوائر الانتخابية على الحدود الشمالية والجنوبية يتم التحكم فيها من قبل "الشين فين" الوطني وهو حزب سياسي أيرلندي، والذين يقوم بحملة قوية الآن ضد البريكست. وبالنسبة إلى القوميين فإنّ إزالة أبراج مراقبة الجيش البريطاني وأي مظاهر مادية للحدود، تعتبر أساسية لتجربتهم اليومية في هذا الواقع الدستوري الغامض.
وفي الواقع، تعترف ورقة "تبادل السياسات" أنه من الموقع أن يقوم الجمهوريون المنشقون بهمات! لكن هذا الكلام، زاد فقط من خطر عودة العنف المتبادل، فقادة المجتمعات المحلية في أيرلندا الشمالية لا يريدون العودة إلى السبعينيات، لكن هذا لا يعني أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يكن يستقطب السياسة الإيرلندية الشمالية ويعيد الطائفية إليها.
لماذا لا يمكن رأب الصدع؟
إذا افترضنا أن الجانب البريطاني لا يريد المخاطرة بالتراجع عن "التقرير المشترك" في ديسمبر أو عن الهجمات المتوقعة للجمهوريين المنشقين، أو المزيد من الطائفية في السياسة الإيرلندية الشمالية، فهل من الممكن أن يكون هناك حدود خالية من البنية التحتية تعتمد فقط على التكنولوجيا؟
ويبدو أن مؤيّدي الخروج البريطاني يعتقدون بذلك، فالعرض الأول في هذه الحجة هو دراسة للبرلمان الأوروبي قام بها خبير الجمارك السويدي لارس كارلسون بعنوان "الحدود الذكية هي لتجنب الحدود الصعبة في جزيرة أيرلندا من أجل مراقبة الجمارك وحرية تنقل الأشخاص"، وتم الاستشهاد بالدراسة من قِبل بورصة الأوراق المالية كدليل على أنه إذا كان الاتحاد الأوروبي والأيرلنديون أكثر مرونة قليلا، ولكن التكنولوجيا يمكن أن توفر الإجابة على الرغم من أنها لم يتم نشرها على أي حدود أخرى لهذا الغرض وبالتأكيد ليس على حدود معقدة مثل أيرلندا الشمالية، التي لديها أكثر من 200 نقطة عبور.
والتعقيد المطلق للحدود الأيرلندية الشمالية هي المشكلة، وتم الاعتراف بذلك ضمنيا، حيث طلب المملكة المتحدة إعفاء الشركات الصغيرة والمتوسطة من عمليات التفتيش الجمركية، على الرغم من أن العديد من هذه الشركات تدخل في سلاسل التوريد التجارية الكبيرة. ودون إعفاء الشركات الصغيرة، يصبح من الصعب للغاية معرفة كيف يمكن استخدام التكنولوجيا لحل مسألة الحدود الأيرلندية بطريقة تلبي تعهد ديسمبر.
وأخيرًا يلاحظ أيضًا أن الاتحاد الأوروبي يقوم حاليًا بإجراء فحوص على نسبة صغيرة (2-5٪) من الشحنات التي تدخل حدود الاتحاد الأوروبي، وهم يستخدمون هذه الحقيقة لمجادلة أن معظم البضائع يمكن أن تتحرك عبر حدود أيرلندا الشمالية دون تفتيش. وصحيح أنه يتم تفتيش جزء صغير فقط من الشحنات على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، لكن هذا يعتمد على افتراض أن جميع السلع الداخلة إلى الاتحاد الأوروبي ملتزمة ومتقاربة. في سياق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، سيكون الاتحاد الأوروبي راغبا في التأكد من أن السلع غير المتقاربة لا تتسرب إلى السوق الموحدة عبر حدود أيرلندية التي يسهل اختراقها.
أرسل تعليقك