لندن - سليم كرم
كشفت أجهزة الأمن الأوروبية عن توقع حدوث اعتداء متطرف دموي في بروكسل عقب أربعة أيام من اعتقال صلاح عبدالسلام أحد المشتبه به في تنفيذ هجمات باريس، ووصف ضباط المخابرات هجمات الثلاثاء في العاصمة البلجيكية بالمتوقعة كانتقام من اعتقال الرجل المطلوب في أوروبا فضلاً عن معرفة المتطرفين بأن عبدالسلام ربما يكشف عن مخططهم.
وتحول عبدالسلام، المولود في بروكسل، إلى رمز للتحدي لتنظيم داعش والحركات المتطرفة عقب أربعة أشهر قضاها في إطار أكبر عملية مطاردة في بلجيكا، ويشير اعتقاله المفاجئ في أحد شوارع حى مولينبيك إلى قرب اعتقال الشبكة التي تآمر معها، وبيّن المحققون البلجيكيون أنه كان يتعاون معهم ما جعل زملاؤه يدركون أنه سيكشف عن خططهم، وحذر أحد ضباط المخابرات من تزايد مخاوف زملاء عبدالسلام المتطرفين بسبب تردده في الانتحار مرتين الأولى أثناء هجمات باريس والثانية عند توقيفه.
وأشار أحد المتخصصين في مكافحة التطرف اليوم إلى أن "استجواب عبدالسلام لعب على فكرة الرغبة في العيش ما كشف عن نوع من الضعف، إنه رجل لم تظهر عليه القوة الداخلية والقدرة على تحمل الاستجواب ما يعني أن المتورطين في هجمات الثلاثاء كان عليهم تفعيل خططهم سريعًا قبل القبض عليهم والاستيلاء على أسلحتهم"، وكشفت لقطات كاميرات المراقبة والهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر التي عُثر عليها في الشقة التي كان عبدالسلام يختبئ فيها عن أدلة تتعلق بأماكن وجود المتطرفين المشتبه بهم، حيث يعيش الكثيرين منهم في حي مولينبيك الذي يعتبره المحققون قلب عمليات داعش في أوروبا.
وتابع أخصائي مكافحة التطرف "في هذه المرحلة نحن لسنا متأكدين من صلة من يقفون وراء هجمات اليوم بعبدالسلام، إلا أنه من الإنصاف القول إن الهجمات الانتحارية مرتبطة باعتقاله، إنهم يوجهون رسالة إلى السلطات بأنها اعتقلت أحد المشتبه بهم المعروفين، ولكن هناك الكثيرين على الاستعداد للقيام بما لم يقم به عبدالسلام، بحيث يدركوا أن هذا شيء يصعب إيقافه وأنه لا يزال هناك المزيد من أجهزة التفجير، ومن الواضح أن هذه ليست سوى بداية الهجمات ضد أهداف حساسة في بلجيكا وغيرها من الدول الأوروبية، ويعد تفجير إحدى محطات مترو الأنفاق هدفًا سهلًا لكنه يحقق ميزة الهجوم المركز من وجهة نظر التنظيم المتطرف، فضلاً عن احتمالات وجود أميركيين في مكاتب الخطوط الجوية الأميركية".
ويُعتقد أن عبدالسلام هو الناجي الوحيد من بين 10 رجال متورطين في قتل 130 شخصًا في هجمات باريس التي وقعت في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني، ويذكر أنه عُثر على الحزام الناسف في شقة مولينبيك حيث كان يعيش مع ضبط أجهزة أخرى مشابهة في غارات أخرى استخدمت في تفجيرات ستاد فرنسا في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وتم استئجار الشقة بواسطة إسلامي يدعى نجم لاكروي، والذي يستخدم اسم مستعار هو "سفيان كيال" وتواجد مع عبدالسلام في وقت سابق في هنغاريا، ويرغب المحققون في معرفة مدى صلة كيال بهجمات اليوم.
وانتُقد الضباط البلجيكيون انتقادات شديدة لعدم قدرتهم على اعتقال أكثر الرجال المطلوبين في العالم، وهو يعيش على بعد بضعة شوارع من منزله القديم، ويعمل الضباط على التعرف على الانتحاريين بمساعدة كاميرات مطار زافينتم ومحطة مترو الأنفاق التي التقطت صور لأحد المهاجمين على الأقل قبل فترة وجيزة من العملية الانتحارية، ويعمل الضباط على تتبع تحركات المهاجمين في الدقائق التي سبقت التفجير لمعرفة كيفية انتقالهم وما إذا كانوا استخدموا وسائل النقل العامة أم كان هناك سيارة خاصة تقلهم أثناء هجمات باريس، فضلاً عن معرفة توقيت سفر المهاجمين وكيف أخفوا أجهزتهم عن الشرطة، كما تسعى الشرطة إلى معرفة كيف بدأوا رحلتهم، وما إذا كان تم تتبعهم بالردار بواسطة المحققين البلجيكيين والفرنسيين، وما إذا كانوا معروفين للشرطة من قبل؟
ويشتبه باختباء عدد من الخلايا النائمة في بلجيكا، ويذكر أن هناك اثنين من الخلايا المتطرفة على الأقل تحت مراقبة السلطات البلجيكية، بينما تراقب الشرطة الفرنسية عشرات الرجال والنساء المشتبه بهم في باريس وحولها، وساعدت مقار الاتصالات البريطانية في شلتنهام في رصد الرسائل المرسلة من سورية والعراق إلى أوروبا، ويقال إن الاستخبارات تمت بالمشاركة مع بلجيكا وفرنسا وألمانيا وهولاندا والولايات المتحدة أيضًا في الأيام الأخيرة.
وتحظى بريطانيا بعملية مراقبة ضخمة مستمرة تركز على المتطرفين وأنصارهم المشتبه بهم وبعض من لديهم روابط في بلجيكا وفرنسا، وتشمل هذه العمليات الخبراء العسكريين وبعض الضباط المُعارين لدى الشرطة وأجهزة الاستخبارات البريطانية، بينما طالبت السلطات البلجيكية الجمهور العام بالمساعدة في العثور على نجم لاكروي (24 عامًا) والذي وصفته بأنه متواطئ مع عبدالسلام، وتبحث السلطات أيضًا عن المدعو محمد عبريني (31 عامًا) الذي تم تصويره مع عبدالسلام في محطة بنزين على الطريق السريع المتجه إلى باريس قبل يومين من تفجيرات باريس.
وتصاعد القلق في الأونة الأخيرة من المتعاطفين مع المتطرفين الذين يسافرون من ألمانيا وصربيا إلى بلجيكا عبر الحدود التي يسهل اختراقها، ويشمل ذلك الطرق التي يسلكها المهاجرون، وأوضح أحد شهود العيان أن أحد الانتحاريين كان يتحدث اللغة العربية قبل الانفجار بوقت قصير، وهناك عملية واسعة النطاق لتحديد هوية العائدين في إطار سفر مئات البلجيكيين الذي ينتمى معظمهم إلى أصول شمال أفريقية إلى سورية للقتال لصالح داعش أو الجماعات المتطرفة الأخرى، وبينت المعلومات الاستخباراتية التي قدمتها الكثير من البلدان بما في ذلك بريطانيا أنه تم تحديدًا عشرات العائدين إلى وطنهم، إلا أن مواقعهم لا زالت غير معروفة في الكثير من الحالات.
وهناك حالات مماثلة في بلدان أوروبية أخرى، حيث يذكر أن المشتبه بهم مفقودين وهناك محاولات حثيثة لتعقبهم باستخدام التعرف الصوتي عبر الهواتف، وهناك الكثير من المشتبه بهم في حي مولينبيك حيث يعتقد المحققون وجود خلايا نائمة هناك في انتظار الأوامر.
وبيّن الضباط أن عبدالسلام ربما ساعد الانتحاريين في التنسيق لمخططهم بسبب صلته الوثيقة بسورية وموقعه الموثوق، ويرتبط حي مولينبيك الذي يسكنه آلاف المهاجرين ونصفهم من المسلمين بصلات تاريخية بالتطرف، وتم تفتيش الحي كجزء من عمليات مكافحة التطرف في بلجيكا عقب هجمات تشارلي إبدو.
ويذكر أن أحد المشتبه بهم في الهجوم على قطار فائق السرعة متجه من بلجيكا إلى فرنسا بقي في منزل شقيقته في مولينبيك، في حين أن الفرنسي المتهم بقتل أربعة أشخاص العام الماضي في متحف يهودي في بروكسل قضى وقتًا أيضًا في نفس المنطقة، واعترف وزير الداخلية البلجيكي جان جامبون بأن نسبة كبيرة ممن غادروا بلجيكا للانضمام إلى الجماعات المتطرفة جائوا من نفس المنطقة وتعهد بتطهيرها، مضيفًا "انخفض عدد الناس الذين ذهبوا إلى سورية إلا أن من ذهبوا جاءوا من حي مولينبيك وبروكسل".
ويعد حي مولينبيك وبروكسل هدفًا لمهربي الأسلحة التي لا ترتبط فقط بالعمليات المتطرفة بل بارتكاب الجرائم الخطيرة، ويقول المحققون إن الأسلحة في هذه المنطقة شاركت في جرائم في بريطانيا، وفي حين كانت معظم الأسلحة من المسدسات إلا أن الشرطة البلجيكية لاحظت زيادة في حيازة واستخدام الأسلحة العسكرية مثل بنادق كلاشينكوف، ويتراوح سعر السلاح في السوق البلجيكية السوداء بين 1000 إلى 2000 يورو وفقًا لنوع وحالة السلاح، ويتم تهريب معظم هذه الأسلحة من منطقة البلقان حيث يوجد الكثير من البنادق والذخيرة والمتفجرات بعد الحروب هناك.
أرسل تعليقك