وجدة - عبدالقادر محمد
إذا لم تعد الهجرة إلى أوروبا "الفردوس المفقود" التي تحولت إلى جحيم، تغري المغاربة، فالعودة من المهجر والاستقرار في المغرب والبحث عن عمل، لا تستهويهم، كما رصدنا ذلك، في قلب مدريد، لدى العديد من العمال المغاربة الذين فقدوا عملهم بإسبانيا، وذلك لعدة اعتبارات وعوامل نفسية واجتماعية، وهؤلاء لا يدخل ضمنهم عدد من الكفاءات التي كانت مقيمة في الخارج عادوا إلى المغرب بسبب فقدان الوظيفة أو من أجل الاستفادة من الخبرة والكفاءة من أجل بدء حياتهم من جديد في المغرب.
إن العديد من هؤلاء العمال المهاجرين لا يجرؤ على اتخاذ قرار العودة إلى المغرب إذ يعتبر ذلك فشلاً وعاراً وعملية انتحار، لما سيجلب له من نظرة دونية قاسية من طرف الأسرة والمجتمع لا طاقة له بتحملها، كما أنه متيقن من العودة إلى حياة أشقى وأقسى ووضعية أفقر قد يضطر فيها إلى مدّ يده ويتحول إلى عالة على محيطه بعد أن كان يفتخر أيام كان يشتغل في الخارج ويبعث بالمال إلى الأسرة والهدايا إلى أفرادها وإلى الأصدقاء، هذا إذا لم يكن ربّ أسرة وله أطفال وإلا كانت العودة من المستحيل وضرب من الخيال.
ومن جهة ثانية، هناك عمال مغاربة لا يتوفرون على مبلغ مالي للعودة بل هناك من لا يتوفر حتى على ما يمكنه من التنقل من منطقة إلى أخرى للبحث عن العمل ويعمد إلى ركوب المترو أو القطار دون تأدية ثمن التذكرة رغم المشاكل التي قد تواجهه من طرف المراقبين ورجال الشرطة، كأحد الشبان المغاربة الذي فقد عمله بعد أن أصيب بكسر في ذراعه خلال حادث سقوط من على سط منزل في طور البناء التقناه بأحد محطات القطار في العاصمة الإسبانية مدريد، "لم أؤدي ثمن كراء المنزل منذ 6 أشهر مع العلم أنني اكتريه ب500 يورو دون احتساب فاتورات الماء والكهرباء، واضطررت لكراء غرف لمغاربة في نفس وضيعتي، لكن لن أعود إلى المغرب في هذه الحالة.. ماذا سأقول لوالدتي ولأفراد العائلة ولأصدقائي؟". لكن يحذوهم الأمل ولو كان واهياً في عودة الوضع الاقتصادي على ما كان عليه سابقاً وإيجاد عمل ما وبناء حياة جديدة ولو متأخرة.
وفي هذا الصدد سجلت الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج تراجع نسبة المهاجرين المغاربة القادمين لقضاء عطلهم السنوية في المغرب، ما بين منتصف حزيران/يونيو، وتموز/يوليو، بـ31% بالمقارنة مع الفترة نفسِها من السنة الماضية، ويُتوقع أن تكون عملية العبور لهذه السنة الأضعفَ عدداً خلال السنوات الأخيرة.
وقد كشفت الوزارة مجموعة من الإحصائيات التي توضّح التراجع الكبير الذي شهدته عملية العبور لهذه ويُعزى هذا التراجع في عملية "عبور" لهذه السنة إلى مجموعة من الأسباب، أبرزها تزامنها مع شهر رمضان الكريم، ويفضل العديد من المهاجرين قضاء شهر رمضان في الديار الأوروبية بدل العودة إلى المغرب، زيادة على ذلك فقد ساهمت الأزمة الاقتصادية التي تعصف بدول أوروبا بشكل كبير في هذا التراجع، ويعتبر المهاجرون المغاربة الأكثرَ تضرّراً من هذه الأزمة، خاصة في كل من إسبانيا وإيطاليا وفرنسا، نظراً إلى ارتفاع نسبة البطالة في صفوفهم وتراجع التحويلات المالية نحو المغرب خلال الموسم الجاري.
أغلب هؤلاء العمال المهاجرين المغاربة اضطروا إلى ممارسة مهن أخرى لمقاومة شظف العيش والاستجابة إلى أدنى متطلبات الحياة، فيما عجز آخرون عن ذلك ضمنه أسر إسبانية، وعمدوا إلى تسجيل أنفسهم في لوائح لدى جمعيات للاستفادة من "قفة العيش" شهرياً حسب عدد أفراد الأسرة، قيمتها حوالي 50 أو 60 يورو وتتضمن مواد غذائية حيوية، حسب تصريح ممثلة جمعية التضامن والإدماج الاجتماعي للمهاجرين في مدريد.
وتحول آخرون من الاشتغال في البناء إلى ممارسة مهن أخرى خاصة منها ما يتعلق بالاستهلاك كالتجارة في الخضر والفواكه، وهم الأغلبية، وفتح البعض مطاعم صغيرة أو بيع بعض المواد والأدوات على أرصفة الشوارع. واضطر الكثير إلى جمع المتلاشيات والأجهزة المستعملة والقديمة وبيعها لمعامل إعادة معالجتها.. ومن نتائج الأوضاع الاقتصادية الصعبة والعصيبة التي هي بادية وبارزة للعيان بإغلاق مئات المحلات التجارية ووضعها للبيع، تم الوقوف على أشخاص من جنسيات مختلفة منهم الإسبان، يجوبون شوارع العاصمة الإسبانية وينقبون في قمامات الأزبال وأكوام المتلاشيات أمام المحلات التجارية يجمعون ما يرونه صالحاً لإعادة بيعه.
عدد كبير من العمال المهاجرين الذين فقدوا أعمالهم بإسبانيا، مع العلم أن غالبيتهم يقطن بأقاليم تاوريرت وجرادة في الجهة الشرقية، يعمدون إلى اقتناء سيارات نفعية بدول الخارج يشحنونها بمتلاشيات أو أجهزة وآلات مستعملة تخلص منها أصحابها، كل سفرية بين إسبانيا والمغرب، مرة أو مرتين في الثلاثة أشهر، مدة صلاحية رخصة سيرها في المغرب. وخلال مقامهم في المغرب يشتغلون في النقل السري المزدوج بهذه الأقاليم ويصلون البوادي بعضهم ببعض خاصة وأن أغلبهم من العالم القروي.
وضع أثر سلباً على أرباب ومستغلي وسائقي سيارة الأجرة الصنف 1 وأجج غضبهم ودفعهم إلى تنظيم وقفات احتجاجية، ووجهوا رسالة/شكاية إلى عامل إقليم تاوريرت عنونوها ب"نريد حلا لمعاناتنا مع ظاهرة النقل السري"، يلتمسون فيها منه التدخل الفوري من أجل إنصافهم وجعل حد للمضايقات، وما وصفوه بالتحدي السافر الذي يلاقونه من طرف أصحاب "الفاركَونيطات" المسجلة بأرقام أوروبية أو ما يعرف "بالنقل السري ".
كما عملوا على محاصرة أحد هؤلاء "الخارجين عن القانون" وسلموه لمصلحة الدرك الملكي بتاريخ 24 يونيو 2012 ، ونظموا وقفة احتجاجية، لكن لا شيء تغير بل تطورت الأمور، وفي تحد سافر أصبح بعضهم يقاسمهم محطة الانطلاقة ،ويعمل على جمع الركاب والمسافرين، الشيء الذي زاد من تذمرهم وانعكس سلبا على وضعيتهم الاجتماعية والنفسية..
من جانبه وجه تجمع المغاربة بكطالونيا في إسبانيا، الأحد 28 يوليوز 2013، نداء إلى جميع الهيئات والمنظمات الحقوقية والسياسية المغربية للتحرك والعمل على فضح ووقف هذه السياسة العنصرية التي تنهجها حكومة إسبانيا في حق المغاربة، والضغط بكافة الوسائل على الدولة المغربية للخروج عن صمتها تجـاه هذه القضيـة لتتحمل مسؤوليتها إزاء هذا الوضع الكارثي الذي يعيشه مهاجرونا في إسبانيا جراء الأزمة المالية.
وطالب التجمع أن يكـون العاشر من أب/أغسطس "اليوم الوطني للمهاجر" والحال ينطق ب"بأي حال عدت يا عيد"، مناسبة للوقـوف على مشاكـل المهاجريـن ومعاناتهـم، وكذا التعريف بقضية هجرة المغاربة ومـن ثم بلـورة الحلـول المناسبة لوضـع حـد لمعاناتهم أو التخفيف من وطأتها، خاصة بالنسبة للقاطنين في البلدان الأكثر تأثراً من "الأزمة الاقتصادية والمالية" مثل إسبانيا التي يضيق فيها الخناق على المهاجرين المغاربة يوما بعد يوم، وذلك دون أي اكتراث أو التفاتة جدية من طـرف الدولة المغربية، مما يجعلها لا ترقى إلى مستوى الدول التي تحترم مواطنيها والتي نراها تبذل الجهود اللازمة للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم أينما حلوا وارتحلوا، وهو ما يكرس النظرة التي تختزل المهاجر في كونه مجرد مصدر للعملة الصعبة.
وأشار النداء إلى أن المهاجر المغربي في إسبانيا يعيش ظلماً مزدوجاً، ويجد نفسـه بيـن مطرقـة تجاهـل الدولـة المغربيـة، وسـندان مواطنة ناقصة في المهجر وعنصرية مؤسساتية يزيد من استفحالها استمرار "الأزمــة الاقتصاديـة" التي تعمـل الحكومة على تصريفها على كاهل الطبقات الشعبية التي يعتبر المهاجرون جزءا منها، بل إنهم الأكثر تضرراً من غيرهم باعتبارهم الحلقة الأضعف في بنية المجتمع فضلاً عن أن المغاربة بالخصوص يفتقرون إلى أدوات التأثير باعتبارهم فئة محرومة حتى من حق التصويت في الانتخابات البلدية، بل إن الدولة الإسبانية أنكـرت ما للمهاجرين من فضل على اقتصادهــا في زمن الإزدهار ووفرة الانتاج، لتتعامل معهم اليوم كبضاعة منتهية الصلاحية وتمــارس عليهـم مختلف الضغوط لتضطرهم إلى المغادرة الطوعية نحو بلدهم، وهي الضغوط التي ازدادت حدتها مع صعود حكومة اليمين بزعامة ماريانو راخوي.
وجد المهاجر المغربي نفسه، اليوم، مستهدفا فـي وجـوده وكرامته وحقوقه بصفه عامة، خاصة في ظل الأزمة الراهنة التي تغذي خطاب كراهيـة الأجانب وتنامي الأحزاب والتنظيمات العنصرية المتطرفة والفاشية، حزب "أرضية من أجل كطالونيـا" نموذجا، إضافة إلى ما تنهجه الدولة من إجراءات استئصالية متناقضـة مع حقـوق الانسان مثل الحرمان من المساعدات الاجتماعـية، والتغطية الصحية، ومصادرة الحق المكتسب في الاقامة القانونية برفض تجديد بطائق الاقامة للعاطلين عن العمل، وإثقال كاهـل المهاجريـن بالغرامات التعسفيـة والعنصرية التي تنهجهـا إدارات مكتب الشغل والضمان الاجتماعي والتي (أي الغرامات) طالت المغاربة دون غيرهم وهو ما أثبتته إحدى المحاكم في برشلونة التي أدانت التمييز الممارس تجاه المغاربة، والخرق الواضح لمبدأ المساواة أمام القانون وممارسة التمييز علـى أساس الانتماء إلى جنسية معينة، الشيء الذي يتعارض مع الدستور الإسباني نفسه ومع القيم الكونية لحقوق الإنسان.
وقد سبق لتجمع المغاربة بكطالونيا أن وجه رسالة الى رئيس الحكومة المغربية عبر قنصلية المغرب في برشلونة بتاريخ 26 نيسان/أبريل 2013 مرفوقة بمئات التوقيعات، ونسخة من الحكم القضائي الذي يثبت التمييز في حـق المغاربة، طالبن الحكومة بالتدخل العاجل لدى الحكومة الاسبانية لوقف سياسة التمييز هذه، واتخاذ التدابير اللازمة للتخفيف من معاناة المغاربة علـى مختلف المستويات، غير أن الرسالة لم تلق أي جواب، وهو دليل على غياب قضية الهجرة من اهتمام الحكومة والدولة عموما، وهذا ما أكدته أيضا الزيارة الأخيرة للملك "خوان كارلوس" إلى المغرب، حيث غابت قضية الهجرة تماماً من جدول أعمال الزيارة المذكورة، ليبقى منظور الهجرة محكوما بالنظرة الضيقة القائمة على الهاجس الأمني الذي يلعب فيه المغرب دور الدركي على الحدود والسواحل، فيما تنظر الدولة الإسبانية إلى الهجرة كمجرد يد عاملة يتم استيرادها عند الحاجة إليها، ثم التعامـل معها كبضاعة منتهية الصلاحية عند حدوث الازمة الاقتصادية التي لا ذنب فيها للمهاجرين وعموم الطبقات المتضررة منها بل إن هذه الازمة هي نتاج المخططات النيوليبرالية التي تنهجها الحكومة والسياسة المالية للقطاع البنكي وما يرافق ذلك من سياسـات تقشفية أدت الى تراجع خطير لوضعية حقوق الإنسان عمومـا وحقوق المهاجريـن خصوصا الذين يعانون كذلك من التمييز العنصري.
العمال الرومانيون والمغاربة يتصدرون لائحة الأجانب المقيمين في إسبانيا
بلغ عدد الأجانب المقيمين بصفة قانونية في إسباينا إلى غاية 31 أيار/مارس 2013، حوالي 5467955 أجنبي من مختلف بلدان العالم، منهم 49.03 في المائة أي 2681037 حاملون لبطاقة الإقامة، و50.97 في المائة أي 2786918 من المقيمين يتوفرون على بطاقة النظام الاجتماعي العام. وتم تسجيل، خلال الثلاثة أشهر الأولى من هذه السنة، ارتفاع في عدد الأجانب ب1.04 في المائة أي 56032 أجنبياً.
ويأتي الرومانيون والمغاربة على رأس قائمة الأجانب ب922286 للجالية الأولى وهو ما يشكل نسبة الثلث بالنسبة للجالية الأوروبية في إسبانيا و880789 للجالية والمغربية، وتعتبر الأولى بالنسبة للأجانب غير الأوروبيين.
ويبلغ عدد الأجانب المنحدرين من أميركا اللاتينية 1179808 تشكل نسبة 42.35 في المائة، يليهم الأجانب الأفارقة ب1.58051 ثم الأسيويين ب358051.
أرسل تعليقك