الدار البيضاء ـ سعيد بونوار
يمرحون ويلعبون، وترسم على وجوههم علامات استغراب كلما تنامى إلى مسامعهم "أزيز" الأقفال، ويعلو فوق ثيابهم صدأ القضبان الحديدية، يعيشون بين أحضان أمهاتهم، وتحت عيون حارسات "شديدات غليظات"، يمضون أيامهم بعيدا عن ضوء الشمس، يبتسمون للزائرين و"السجانات" وأيامهم تكاد تتشابه في انتظار موعد يجهلونه وتعرفه أمهاتهم، الخروج من السجن.
لم يرتكبوا جرما، ولا حتى مخالفة، ومع ذلك حكم عليهم الزمن بالرمي في السجن، بعضهم سجناء بالولادة، وآخرين من المُلتحقين، هم أبرياء "يرفلون" في جحيم ردهات الحبس بين المتهمين والمحكومين والمجرمين، هؤلاء هم السجناء الرضع.
لا يعرفون أن خارج أسوار السجون حدائق ألعاب ومدارس وطرقات وشواطئ، ولا يعلمون أن في الأسابيع أعيادا، وفي الأحياء أزقة للمرح، وفي ساعات النهار أوقات زيارة للأحباب والأصدقاء،هم يطرحون أسئلة صعبة عن دوافع اعتقالهم، ومع ذلك يمرحون ويلعبون.
في أكثر من سجن، يقبع جناح خاص بالرضع والأطفال، يتخذ ركنا منزويا عن طوابق الرجال، ويكاد يلتصق بسجن النساء، إنه البرزخ الذي يفصل هذا عن ذاك.
تهم هؤلاء أنهم ولدوا لأمهات ارتكبن جرائم بدوافع مختلفة، ومنهن البريئات لأنه "ياما في السجون من مظاليم".
في سجن "عكاشة" بالدار البيضاء، وهو الأكبر من نوعه في المغرب يعيش أطفال تتراوح أعمارهم ما بين الشهر والخمس سنوات، صغار وجدوا أنفسهم محكومين بتهم أمهاتهم، منهن قاتلة زوجها والسارقة والمزورة وشاهدة الزور، ومنهن المتاجرات في المخدرات والمتعاطيات لها، ومنهن العاهرات، والموظفات ونساء الأعمال.
في الجناح المذكور يمنع على الرجال ولوج "عنابره"، وفي الغرف المخصص للأطفال يجد الزائر "الخاص" فضاء للطفولة بكل ما يحمله ذلك من معنى، أطفال محظوظون بالمقارنة من باقي السجناء داخل السجن، فهم يحظون بالمتابعة الطبية وبالتلقيحات في وقتها، وتمنح لهم اللعب والهدايا ويلتقون بأمهاتهم، وهم تعساء لأنه يفترض أن يكونوا بين أقرانهم في "ريضات" الحضانة خارج السجن.
ولعل الأطفال حديثي الولادة أكثر حظا من غيرهم، فإدارة السجن تصر على تنظيم حفل العقيقة احتفاء بهم، وتوجه الدعوات لحضور الحفل الذي يتم بالطريقة التقليدية المغربية إلى السجينات وموظفات السجن والحارسات وإلى ضيوف من المجتمع المدني للمشاركة في أكل "الرفيسة" وهي وجبة غذائية مغربية تقليدية تنجز لفائدة حديثات الولادة وهي تتكون من الدجاج "البلدي" والفطير وتوضع فيها التوابل بكثافة.
وترفض السلطات المغربية تدوين مكان ولادة الطفل في السجلات القانونية، احتراما لمشاعره المستقبلية وعدم معاقبته بذنب لم يرتكبه، وغالبا ما يعهد إلى الوالد أو ولي الأمر أو إلى أي مقرب من العائلة إلى تسجيل "الوليد" في سجلات "الحالة المدنية" دون الإشارة إلى مكان الولادة أي السجن.
كما تتكفل إدارة السجن بحفلات الختان بالنسبة للرضع السجناء، وهي تتم أيضا بالطريقة التقليدية مع ما يستلزم ذلك من ركوب على جواد أصيل وبلباس مغربي يعلوه الطربوش الأحمر و"الجلابة"، ويسمح للفرق الشعبية بدخول السجن لإحياء الحفلات المذكورة.
يسمح القانون المغربي المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية ببقاء الأطفال صحبة أمهاتهم حتى بلوغ سن الثالثة، ويمكن تمديد هذا الحد بموافقة وزير العدل إلى سن الخامسة، وتتولى المصالح الاجتماعية في السجون متابعة تربية الطفل داخل السجن وخارجه بعد مضي السن المحدد للمكوث مع الأم، يذكر هنا أن 38 في المائة من السجينات في المغرب متزوجات.
يواجه أطفال السجون من الرضع والبالغين من العمر الخمس سنوات وأقل صعوبات بالغة عند الخروج من السجن، وقضاء أمهاتهم للفترة المحكوم بها عليهن، إذ غالبا ما يعلم أقرانهم أنهم "خريجو سجون"، فيكون التآلف معهم صعبا جدا.
أرسل تعليقك