لندن ـ ماريا طبراني
رغم مرور 10 أعوام على سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل إلا أن أهل تكريت، مسقط رأس صدام حسين، ما زالوا يترحمون عليه لما كانوا ينعمون به من رخاء في عهده، بعكس الوضع الحالي والذي يعانون فيه من احتجاز السلطات العراقية للعديد من رجال تكريت في السجون بشكل دائم ناهيك عن تعرض البعض لأعمال تعذيب، بعد أن وقف أهالي تكريت معدومي الحيلة. فمنذ مجيئ الأميركان، وحتى الآن ازدادت الأوضاع الأمنية سوءا، لدرجة أن البعض أصبح يرى أن الدولة في العراق صارت بوليسية، فتفجير السيارات والعديد من الأعمال الإرهابية لازالت تحدث بصورة منتظمة ويذهب ضحيتها العشرات أسبوعيا، إلى جانب الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي وبشكل يومي، والمحلات تغلق أبوابها عصرا. ففي عهد صدام كان التكريتي يحظى بأفضل خدمة ومعاملة، بل وبرواتب عالية مميزة عن الباقين لمن كان من يعمل منهم في الشرطة أو الجيش. ويبدو أن المنتفعين بنظام صدام حسين القديم ليسوا هم فقط الذين يتحسرون على أيامه ويشتاقون إليها، ففي تحقيق نشرته صحيفة ديلي تلغراف تناولت فيه ردود أفعال سكان بلدة تكريت العراقية مسقط رأس الزعيم العراقي الراحل صدام حسين، بعد مرور عشرة أعوام على سقوط نظامه. التقت الصحيفة بالعديد من العراقيين وسألتهم "لو أن بإمكانهم إعادة عقارب الساعة إلى الوراء والعودة إلى أيام صدام حسين، هل تفعلون ذلك؟ والمدهش أنه وعلى الرغم من فظائع عهد صدام، أجاب الجميع بنعم. الشيخ حسن الناصري زعيم القبيلة التي ينتمي إليها صدام حسين والتي تمتد جذورها إلى ما قبل أيام الحكم العثماني للعراق، عاد بالذاكرة إلى الأيام التي نَعِمَ فيها أفراد القبيلة بالرخاء في تكريت في ظل حكم صدام، وخلال رحلاتهم إلى العاصمة بغداد كان يكفي لأي منهم أن يذكر اسم قبيلة الناصري كي يحظى بأفضل خدمة ومعاملة في المحلات والمطاعم، كما كان من يعمل منهم في الشرطة أو الجيش يحظى برواتب عالية. ولكن ذلك انتهى إلى غير رجعة قبل عشرة أعوام عندما انهالت صواريخ كروز الأميركية على بنايات حزب البعث في تكريت والقضاء على حرسه الجمهوري، وسرعان من انهارت تكريت دون مقاومة تذكر، وبعد تسعة شهر من سقوط تكريت استسلم صدام حسين نفسه بلا مقاومة بعد أن كان مختبئا في حفرة. واليوم وبعد عشرة أعوام، انقلب الحال وتحول النعيم إلى لعنات، ويشكو الشيخ حسن (62 عاما) الذي قام أفراد قبيلته بقتل العديد من الجنود الأميركان، لسبب تحرش قوات الأمن العراقية الشيعية بهم، ويقول أن السلطات العراقية تحتجز دائما في السجون بحوالي 50 من رجال القبيلة، كما أن البعض يتعرض للتعذيب، ولا يملك سكان قرية العوجة التي نشأ فيها صدام سوى الكلام. ويعترف الشيخ حسن بأن صدام نفسه كان ظالما وقاسي القلب، ولكنه لا يزال يترحم عليه حتى الآن وأنه حزن بشدة عندما جاءت جثته إلى قرية العوجة لدفنه في العام 2006، وأغلقت السلطات العراقية ضريح صدام خوفا من أن يتحول إلى مزار لكل البعثيين.
ثم يوجه الشيخ حسن سؤالا إلى مراسل الصحيفة يقول له فيه "ما هو شعورك لو أن فرنسا قامت بغزو بريطانيا ونفذت حكم الإعدام في الملكة؟" وقال "إن صدام حسين على الأقل منحنا التنمية والأمن، وعلى الرغم من أن الأميركان والبريطانييين قالوا إن الأحوال ستتحسن في العراق إلا أنه بعد مرور عشر سنوات لازالت البلاد تعيش في فوضى. والواقع أن المنتفعين بنظام صدام حسين القديم أمثال الشيخ حسن وأفراد قبيلته ليسوا هم فقط الذين يتحسرون على أيامه ويشتاقون إليها، ومن بين هؤلاء رياض العبيدي وهو بائع خضروات في تكريت كان يعمل من قبل ضابطا في الجيش وعلى الرغم من ابتعاده عن الحرب إلا أنه تعرض للاعتقال في العام 2004 بتهمة القيام بأعمال مقاومة بعد أن عثرت القوات الأميركية على مسدس داخل منزله وأمضى 18 شهرا داخل السجن ثم التحق بعد ذلك بالشرطة العراقية ثم اختطفه أحد المتطرفين السُنَّة في العام 2006 وهدده بالقتل بتهمة الخيانة ثم تركه بعد أن دفع فدية قدرها 15 ألف دولار.
ثم تعرض للاختطاف مرة ثانية في العام 2008 على يد مليشيا شيعية خلال الحرب الطائفية بين السُّنَّة والشيعة ولم ينج إلا بعد أن دفع فدية، وهو يعتبر نفسه محظوظا لأن من تعرضوا للاختطاف مثله قُتِلوا، وكان القتلة يطلبون 5 آلاف دولار مقابل رد رأس من قتلوه.
ويقول العبيدي إن كل ذلك حدث منذ مجيئ الأميركان، وفي وجودهم ازدادت الأوضاع الأمنية سوءا. وأضاف "أنا لا أشتاق إلى عودة صدام بالتحديد وإنما أريد أي فرد يحكم بالعدل سواء كان أميركيا أو عراقيا.
وعانى الكثير من العراقيين من محن مشابهة لمحنة العبيدي وبعضها كان على يد قوات الاحتلال ولكن أغلبها كان على يد ميليشيات دينية أو عصابات إجرامية، ويرى البعض أن الدولة في العراق أصبحت بوليسية.
وعلى الرغم من أن معدلات العنف الدموي التي شهدتها الحرب الطائفية قد انخفضت كثيرا إلا أن تفجير السيارات والعديد من الأعمال الإرهابية لازالت تحدث بصورة منتظمة ويذهب ضحيتها ما يقرب من 50 ضحية أسبوعيا.
والواقع أن من يزور بغداد اليوم من الأجانب يلاحظ أنها تحولت إلى دولة بوليسية كما كانت عليه أيام صدام حسين، حيث يوجد رجال الشرطة في كل شارع رئيسي.
وعلى الرغم من شبكة الكهرباء في البلاد إلا أن الطاقة الكهربية تستمر فقط 12 ساعة يوميا لسبب تَأَخُّر بناء مفاعلات طاقة جديدة وتَعَرُّض خطوط الطاقة للتخريب.
أم بالنسبة للنشاط المعماري وإعادة إعمار البلاد، فقد تعطلت كثيرا لسبب تعرض وكالات المعونة والأمم المتحدة لهجمات القاعدة، وعلى الرغم من مثل هذه الهجمات الدموية إلا أن هناك قدرا من التقدم قد تحقق.
وفيما يتعلق بالأحوال الأمنية فإن قوات الشرطة تبدو أكثر استرخاء والمحلات تغلق أبوابها في الساعة الرابعة بعد الظهر، وهناك من يرى أن الأمن يتحسن يوما بعد يوما، حتى أن البعض يقوم بالخروج مصطحبا أطفاله في المساء على ضفاف نهر دجلة، إلا أن المطاعم على ضفافه توقفت عن تقديم وجبات السمك الشهيرة بعد كم الجثث التي تم إلقاؤها في عرض النهر.
وعلى الرغم من شكوى العراقيين من الكهرباء والأحوال الأمنية إلا أنهم يحصلون اليوم على دخل أكبر وقادرون على شراء ما يحلو لهم كما تقول امرأة عراقية التي ترى أن العراقي يميل إلى التركيز على السلبيات دون الإيجابيات وأنه يتمتع بِحُرّيّة نسيبة وأن هذا في حد ذاته ديمقراطية، لكن البعض يشكك في هذه الديمقراطية.
ويتمتع الأكراد حاليا بمزيد من الانفصال عن الدولة وما يغضب الحكومة قيامهم بالتوقيع على عقود للتنقيب عن البترول مع شركات أجنبية دون الرجوع إليها، أما البعثيين القدامى في تكريت والفلوجة فهم يسيرون على خطى ثورات الربيع العربي من خلال النزول إلى الشوارع في مظاهرات احتجاجية سلمية خلال الأشهر الأخيرة بحجة أن الحكومة الشيعية في البلاد تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية، وعلى الرغم من سلمية المظاهرات إلا أن هناك مخاوف من نشوب حرب طائفية جديدة بين السُّنَّة والشيعة.
ويقول الخبير في معهد واشنطن مايكل نايتس إن الأجواء السياسية مسمومة وتدعم عودة المليشيات العسكرية التي يفترض أنها على وشك الانقراض الآن.
وفي الوقت الذي ينشغل فيه رجال السياسة بمشاداتهم، تبدو على الحياة الثقافية والفكرية في البلاد مظاهر الازدهار، وخاصة في الحياة المسرحية، ولكن المسرح لا زال يواجه تحديات لسبب تلقي الممثلين العديد من التهديدات على يد المتشددين الدينيين.
وهناك من يتحدث عن عراق علماني ليبرالي وهو ما وعد به توني بلير وجورج دبليو بوش، وهو حلم على ما يبدو بدأ يشق طريقه بعد مرور عشرة أعوام على الغزو.
أرسل تعليقك