لم تعد الطفلة السورية اليتيمة زهرة البالغة من العمر (5 أعوام) تتحمل الأصوات المرتفعة التي تذكرها بألعابها التي خسرتها بعدما تحطمت نتيجة القصف الذي تعرض له منزلها في سورية وألحق به الضرر بالكامل منذ أكثر من شهر.
وظلت زهرة في ذلك اليوم تصرخ بشدة بينما لم يستطع أشقاؤها تهدئتها، أما والدها فلم يكن بجوارهم نظرًا لأنه توفي في المعركة حينما كانت تبلغ من العمر (عامين) وبالتالي فهي لا تتذكره ولكنها تعرف جيدًا ملابسات حادث مقتله.
وتلقي الفتاة صاحبة العيون البنية الواسعة خلال حديثها لصحيفة "الدايلي ميل" باللوم على الرئيس السوري بشار الأسـد في قتل والدها وقصف منزلها، وباتت تفتقد ألعابها.
وتقيم الفتاة في الوقت الحالي برفقة أشقائها الثلاثة زاهر وموسى وعبده في مكان آمن حيث دار الأيتام عبر الحدود في تركيا جنبًا إلى جنب مع غيرهم من الأطفال الذين يعانون أيضًا من ويلات الحرب التي أتت على سورية ومزقت أوصالها.
وتأثر العالم كثيرًا بصورة الطفل آليان كردي، وهو ملقى على الشاطئ ميتًا بعدما كان والداه يحاولان الفرار من الحرب في سورية متجهين إلى الغرب، ويعد الطفل آليان واحدًا من بين عشرات الآلاف من الأطفال الذين فقدوا آبائهم ويعانون كثيرًا منذ اندلاع الحرب في سورية قبل أربعة أعوام.
وتحدث عبده البالغ من العمر (13 عامًا) لصحيفة "الدايلي ميل"، مفيدًا بأن جدهم ساعدهم على مغادرة سورية واصحبهم في شاحنته بحيث لم يتعرض لهم أحدًا في طريقهم باتجاه الحدود، مضيفًا بأن جدهم الآن هو جندي يقاتل متطوعًا في صفوف الجيش السوري الحر بعدما توفي أبناؤه الثلاثة خلال إحدى المعارك على أيدي القوات الحكومية.
ويذكر أن حياة الطفلة زهرة وأشقائها انقلبت رأسًا على عقب بعدما أرسل الرئيس الأسد دبابات إلى ريف حماة موطن هؤلاء الأطفال، وذلك بعد أسابيع من اندلاع المظاهرات المناهضة لحكمه.
وانضم والدهم وقتها إلى صفوف الجيش السوري الحر، ولكنه توفي في إحدى المعارك منذ ثلاثة أعوام وبالتحديد في 27 تشرين الأول / أكتوبر من عام 2011.
ويفتقد الطفل عبده والده كثيرًا الذي اعتاد على إيقاظه هو وأشقائه في الصباح وتحضير وجبة الإفطار لهم، كما يفتقد أيضًا الأيام التي قضوها مع والدهم في شهر رمضان وأيام العيد.
وأضاف شقيقه زاهر الذي يرتدي ملابس متسخة، أن والده اعتاد على اصطحابهم للعب الكرة في المتنزهات، وكذلك ممارسة السباحة، ولكنه الآن لم يعد يريد اللعب مرة أخرى وإنما كل ما يريده هو البقاء هادئًا.
من جانبه فإن شقيق زهرة الأكبر الذي يدعى موسى يعلم جيدًا بأنه كان قاب قوسين أو أدنى من الموت بعدما نجا من صاروخ أطلق على بعد بضعة مترات منه ولم ينفجر فيه، وكان كل ما يخشاه وقتها هو أصوات طائرات "الميغ" التي تحلق أعلى الرؤوس، وأضاف بأنه يريد العودة بالوقت عندما كان والدهم لا يزال على قيد الحياة بحيث يضمه بين ذراعيه ويحميه.
واضطر مدير مركز "نور الخير" للأيتام أسامة هلال، إلى إبعاد نحو 200 طفل عن المركز الذي يقع في البلدة الحدودية ريحانلي في الأشهر القليلة الماضية بعدما أصبحت الغرف مكتظة.
وبات هؤلاء الأطفال يبحثون في صناديق القمامة عن المواد البلاستيكية التي يمكن إعادة تدويرها ومن ثم بيعها، حيث يقدر سعر الكيلو منها أقل من دولار واحد، في الوقت الذي يصعب فيه تحصيل مبلغ ثلاثة دولارات في اليوم، بينما يعمل آخرون في المزارع وينامون في الحظيرة، فيما يحصلون على الطعام والقليل من المال.
وأشار هلال (40 عامًا) لصحيفة "الدايلي ميل"، إلى أنه يدق بابه كل يوم أشخاص يطلبون المساعدة ولكن لا يسعه تقديم شيء حيالهم، نظرًا لأن الغرفة التي يمتلكها هي لإيواء 80 طفلًا ومن ثم يذهبون بعيدًا، إلا أنه ذات مرة طرقت أبواب المركز أم يعاني أطفالها من مجاعة وظهروا في حالة يرثى لها نتيجة عدم تناولهم الطعام لعدة أيام، فما كان عليه إلا أن وفر لهم مساحة صغيرة داخل المكان.
وكان الأطفال غفران (14 عامًا) وتميم (12 عامًا) ورقية (10 أعوام) وخديجة (4 أعوام)، من حلب يقيمون داخل مخيم للاجئين في سورية ولكنهم فروا بعدما أصبحوا محاصرين من قبل "داعش".
وأخبرت غفران صحيفة "الدايلي ميل"، بأن والدهم الذي كان يبيع البنزين في الشارع توفي في حلب نتيجة انفجار لأحد البراميل، وعلى إثر ذلك اتخذوا من الشوارع مكانًا يقيمون فيه لبضعة أيام بعد دفن والدهم.
وواصلت غفران حديثها، بأنه لم يكن لديهم مكان يذهبون إليه ولكنهم ذهبوا إلى مخيم اللاجئين، وأقاموا هناك لمدة عام حتى أصبحوا محاصرين من القوات الحكومية من جهة و"داعش" من جهة أخرى، وخشية وقوعهم أسرى لـ "داعش" أنفقوا ما تبقى لديهم من أموال من أجل الهروب إلى الحدود بمساعدة المهربين، وكان عليهم السير في الجبال لمدة 24 ساعة حتى وصلوا أخيرًا إلى دار الأيتام هذه.
وبحسب ما ذكر مدير دار الأيتام هلال، فإن الأطفال من الممكن أن يصلوا بمختلف الإصابات من فقدان الأيدي والسيقان، ولكن أغلبهم يعاني من صدمة نفسية، ويظلوا يشعرون بالخوف فترة طويلة متأثرين بالقصف أو لأنهم فقدوا والديهم جراء الحرب.
ويقدم دار أيتام "نور الخير" الرعاية لعشرات الآلاف من الأطفال السوريين بغض النظر عن خلفيتهم الدينية، ووفقًا لهلال، فإنه لا يوجد منظمة بإمكانها حصر الأطفال الذين فقدوا أحد أبويهم أو كليهما، على أن الأرقام تشير إلى ما بين مليون و500 ألف، واحتاج دار الأيتام إلى شهر واحد فقط حتى يمتلئ عن آخره بهؤلاء الأطفال المكلومين.
أرسل تعليقك