40 ألف شاب تونسي هاجروا إلى أوروبا بطريقة غير شرعية خلال الفترة التي تلت الثورة, قرابة 4 الاف آخرين يقبعون وراء القضبان في سجون البلدان الأوروبية التي هربوا إليها ظنا منهم أن أحلامهم لن تتحقق إلا هناك, ومئات التونسيين لقوا حتفهم في البحار وآخرون مصيرهم مجهول وعائلاتهم لا تعرف عنهم شيئا, فيما 1577 شاب غادروا إلى إيطاليا وفقدت اخبارهم نهائيًا منذ آذار/مارس 2011, وأمهاتهن يبكين ليلا نهارًا، والجهات الرسمية تؤكد على أن ابناءهن فقدوا في البحر في حين ان التسجيلات والصور التي بثتها القنوات الايطالية وغيرها تؤكد على أن فلذات اكبادهن احياء يرزقون, وأوضحت عائلات المفقودين أنها شاهدت صور أبنائها على شاشات التلفاز أثناء وصولهم إلى لمبيدوزا, سر كبير وغموض أكبر يلف هذا الموضوع الذي مازالت الغازه لم تفك بعد.
وكشف والدة الشاب رمزي الولهازي البالغ من العمر 30 سنة السيدة فاطمة, أن ابنها هاجر بطريقة غير شرعية الى ايطاليا في آذار/مارس 2011 وانقطعت اخباره منذ ذلك الحين وأضافت, "زارتنا والدة احد المفقودين في ايطاليا واكدت لنا أن ابناءنا موجودين في السجون الايطالية. وبناء على هذا التأكيد توجهنا الى قصر قرطاج من أجل الظفر بلقاء رئيس الجمهورية وطرح المسألة عليه، لكن قوبلنا كالعادة بالرفض وقد اكتفوا هناك بأخذ ارقام هواتفنا مع الوعد بانه سيتصل بنا، ولم يفعل, وتابعت, "تحدثنا الى كل المسؤولين، بكينا امام كل الابواب، شكونا الى كل السلطات المعنية ولكن النتيجة لم تتغير, ابناؤنا يقبعون في السجون الايطالية والسلطات التونسية ترفض مدنا بالتراخيص التي تسمح لنا بزيارتهم هناك لنهنـأ ونرتاح. انهم يماطلوننا ولا يرغبون في كشف ملابسات ما يحدث لأبنائنا هناك في ايطاليا, نريد معرفة مصير ابنائنا الذين صورتهم التلفزيونات الايطالية عند وصولهم الى لمبيدوزا، وعند اقتيادهم من قبل الامن الايطالي."
ولم يختلف حال السيدة هاجر عن بقية الأمهات اللواتي انقطعت عنهن اخبار ابنائهن "المهاجرين " الى ايطاليا، والاختلاف ليس في الاحساس بالحزن او الحيرة على المصير المجهول الذي يلف حياة ابنها، بل يكمن في كون هذه السيدة فقدت اثر واخبار ابنين معا. محمد جمال الدين الميلي هو الابن الاكبر ويبلغ من العمر31 سنة، غادر أرض الوطن في رحلة الهوارية صحبة اخيه بشير جمال الدين الميلي البالغ من العمر28 سنة, وتقول السيدة هاجر القاطنة في باب الجزيرة إنها لم تفقد الامل وأنها شبه متاكدة أن ابنيها على قيد الحياة, وتوضح: "منذ 6 اشهر جاءنا اتصال من هاتف ابني الأكبر وهو نفس الرقم الذي كان يستعمله هنا، لم يتحدث ولم نسمع شيئا، اتصلنا بوكيل الجمهورية وقمنا بالإجراءات اللازمة للحصول على البيانات الرسمية من مشغل الهاتف الجوال الذي يحمل ابني رقما تابعا له, وقد اكد لنا المشغل ان رقم ابني يشتغل بصورة عادية, واكد لنا أنه لو كان الهاتف قد غرق في البحر لما اشتغل بعد كل هذه المدة." وطالت الحكومة الحالية والحكومة بوضع ملف المفقودين في ايطاليا ضمن اولى الاولويات، باعتبار انهم الشباب الذي صنع الثورة والذي اوصل هؤلاء الساسة الى السلطة وارجعهم الى ارض الوطن, وتشك السيدة هاجر أو ربما هي على يقين أن ابنيها يقبعان في معتقل ايطالي وان السلطات التونسية تتكتم على هذا الأمر لغاية في نفس يعقوب.
وارتأت بعض الأمهات البحث في مصير ابنائهن بأنفسهن دون انتظار مبادرة أي طرف حكومي, حيث سافرت السيدة رشيدة اصيلة الكبارية إلى إيطاليا بحثًا عن ابنها محمد الجبالي البالغ من العمر23 سنة, وكشفت :"سافرت الى ايطاليا مرتين، الأولى مكثت خلالها مدة 9 أشهر في ايطاليا والثانية مكثت فيها شهرين, وكانت آخر مرة زرت فيها الاراضي الايطالية بحثا عن ابني منذ اربعة اشهر, وقد التقيت هناك محامية الشاب الذي هاجر مع ابني والتي التقته في السجن وتحدثت اليه, وأكدت لي المحامية على أن الشاب اخبرها بان ابني حي يرزق وموجود هو ايضا في السجن, وقد وعدتني بان تتصل بي في حال تمكنت من الوصول إليه وها انا انتظر, نحن لا نطلب شيئا غير تفهم وضعياتنا النفسية وتمكيننا من الترخيص الذي يمكننا من دخول السجون الايطالية بحثا عن ابنائنا, فكل الجهات أوصدت أبوابها في وجوههنا، ما عدا السلطات الإيطالية التي تجاوبت معنا أكثر من سلطاتنا ودعتنا إلى جلب التراخيص لتمكننا من الولوج الى سجونها, ذلك هو القانون ولكن لا ندري لم ترفض السلطات التونسية تمكيننا منها, وطالبت الحكومة أن يكون ملف ابناءنا قبل كل الملفات، شباب الثورة مجهول المصير والبقية يرتعون ويتقاسمون المناصب غير مبالين بالأمهات التي احترقت اكبادهن حزنا على ابناءهن الذين لا يعلمون أي مصير يواجههم."
ومن بين "الحارقين" الذين فقدت اخبارهم منذ شهر آذار/مارس 2011،برز مهدي من مواليد 1990 من جهة المرسى, اعياه الفقر والحاجة فهاجر بحثا عن حياة افضل في إيطاليا، غير مدرك أن قسوة الحياة قد تظل تتبعنا حيثما حللنا, فقد مهدي هو ايضا في رحلة العجائب إلى إيطاليا وفقدت والدته السيدة وحيدة أخباره, وسعت إلى البحث عنه، التقت بالباجي قايد السبسي، التقت المرزوقي، وتحدثت إلى عدد من السياسيين والمسؤولين ولكنها لم تظفر بأي حل أو أمل, فقدت الأمل في لحظة ضعف فاحرقت نفسها, وأمضت السيدة وحيدة 4 اشهر كاملة في غيبوبة، احترق وجهها، فقدت القدرة على المشي ولكنها عادت لتحيى على أمل ان ابنها حي يرزق, وقالت :"ابني حي، وصلني مؤخرًا اتصال هاتفي مجهول" inconnu "لم يتكلم، لكني توسلت إليه أن يقول أي حرف أن كان هو ابني، قلت له يا مهدي قل، اه ان كنت انت، فقال اه وقطع المكالمة, وأردت السفر الى ايطاليا لأبحث بنفسي عن ابني، لكني لم أتمكن من الحصول على تأشيرة. وأقدمت على حرق نفسي لأني لم اجد حلا, عجزت عن المشي، أصبحت أتحرك بصعوبة وتستوجب حالتي إجراء عملية جراحية على ساقي. وما زلت أتساءل حتى الان عن مصير ابني وعن المكان الذي يقبع فيه, ابني في السجن هذا مؤكد لكن لماذا يتكتمون على هذه المسالة؟".
وتضم السيدة لطيفة والدة الشاب صبري الصولي البالغ من العمر31 سنة وهو أصيل منطقة حمام الأنف، صوتها إلى بقية الأمهات لتؤكد على أن ابنها موجود في السجون الايطالية، والدليل هي تلك التسجيلات التي عرضت في عدة قنوات ايطالية وعربية والتي تصور أبناءهن عند النزول في لمبيدوزا وعند تفتيشهم من قبل الأمن الايطالي. وتؤكد:"لقد ارسل لي ابني رسالة قصيرة عبر الهاتف قال لي فيها "امي لا تخافي ساعود "ابني حاصل على شهادات علمية وقد هاجر الى ايطاليا لأنهم رفضوا مده بتأشيرة للسفر الى بلجيكيا عندما حصل على عقد عمل, وكان ينوي الذهاب الى خاله للعيش معه هناك باعتباره وحيدا ومريضا, كان يود ان يأخذنا الى الحج انا ووالده, "وتضيف والدة صبري :" كيف يخرجون المجرمين من السجون الذين قتلوا وسرقوا وهددوا أمن تونس وينفون أبناءنا الذين ثاروا على الظلم واخرجوا الطغاة والديكتاتورية؟"
وقالت رئيسة جمعية الخضراء ربح كريم إنّ العديد من العوامل أدت إلى الهجرة السرّية ومنها الفقر والضغوطات الإجتماعية ملاحظة انه تم تدريجيا الوصول الى أدلة تشير إلى انّ دفعات من الشباب الحارقين دخلت فعلا التراب الإيطالي وصرّحت ان نائبا في البرلمان الإيطالي كشف لهم ان السلطات التونسية هي المعنية بالتفاوض من أجل أبنائها, وأضافت انّ المحاولات التي قامت بها الجمعية لتبليغ أصوات الأهالي فشلت وأنه رغم تنفيذ ما يقارب عن 20 إعتصام في ايطاليا فإنّ هذا الملف لم يفتح وقالت للأسف "تعاقبت الحكومات ولم يتم الحسم في ملف المفقودين" وكشفت ربح كريم أن لدى الجمعية معطيات عن وصول حارقين في غرة آذار/مارس وأبلول/سبتمبر 2011 وحتى في 29 نيسان/أبريل 2012, وقالت انه تمت المطالبة ببصمات المفقودين وأنّ محاميا متطوّعا ساعدهم ولكن البصمات التي وصلتهم بعضها كان مقروءا والبعض الآخر لا، وانه رغم اللجوء إلى تحاليل الحامض النووي فإنّ النتائج لم تكن واضحة وكافية .
وطالبت بضرورة القيام بالقيس عند الشرطة الفنية في تونس للتحقق من صور الشباب الذين ظهروا على مراكب في التراب الإيطالي وقالت انه يمكن مقارنة تلك الصور بالتي يملكها الأهالي مما يدعم فرضية وجودهم أحياء يرزقون, وأضافت أنه يكفيها فخرا بأن تلقّب بأم المفقودين وان تكون صوت الأهالي في إيطاليا وكشفت أنها كاتبت رئيس الحكومة لمده بآخر المعطيات والحقائق وقالت انها فوجئت بإحالة الملف على وزارة الشؤون الاجتماعية معتبرة انّ لديهم شبابا ورجالا مفقودين ولا يبغون مساعدات او إعانات اجتماعية .وقالت ربح كريم إنّ لدى أغلب الأمهات أدلة قاطعة من مكالمات هاتفية وصور بثتها قنوات إيطالية يظهر فيها الشباب التونسي على الموانئ الإيطالية والأمن الإيطالي بصدد تفتيشهم.
أرسل تعليقك