دبي - صوت الإمارات
«أنا أهتم دائماً بالوجه، وأركز على العيون وهي بالنسبة لي نافذة للوصول إلى دخيلة الإنسان أو الشخص الآخر»، هكذا تحدث التشكيلي السوداني إبراهيم الصلحي، المولود في عام 1930، في مدينة أم درمان. يعد الصلحي من أقطاب التشكيل في السودان ومن مؤسسي مدرسة الخرطوم التشكيلية، ومن رواد الحداثة الإفريقية والعربية.
يبدو أن «الآخر»، يمثل نقطة جوهرية في كل أعمال الصلحي، فهو ينتج رسالة بصرية جمالية وذات مدلولات فكرية، ويتجه بها نحو الآخر في حوارية يحرض فيها وجدانه من أجل تفاعل مبدع مع هذا الآخر لكي يفهم ذاته، وحول تلك النقطة، يقول الصلحي: «الرسالة التي أحرص على إيصالها من خلال أعمالي الفنية، هي ببساطة مخاطبة الذات الأخرى، إذ أحاول دائماً أن يكون العمل منطلقاً فكرياً يحرك وجدان الآخر لرؤية داخلية حتى يبدع المشاهد ويتجلى أمام نفسه».
أمضى الرجل سنوات عمره الممتدة في سبيل تشكيل ذائقة وثقافة بصرية، وظل مهتماً بالرسم والتشكيل كقضية وموقف حتى لقب ب«شيخ التشكيليين السودانيين»، إضافة إلى مواهبه الأخرى فهو ناقد وإعلامي قدم العديد من البرامج التلفزيونية في السودان، وخاض تجربة التمثيل السينمائي عندما جسد شخصية «الحنين»، في فيلم «عرس الزين»، رائعة الطيب صالح.
فكرة
الصلحي من الفنانين الذين يحشدون اللوحة بالفكرة والمعنى والموقف الفلسفي، إذ إن فن الرسم بالنسبة له لا يقف عند حدود الأبعاد الجمالية البصرية، بل هو أطروحة أو موقف فكري يهدف إلى فهم البعد الفلسفي في ما يقدمه الفنان للمجتمع، وبهذا المعنى فإن الصلحي لم يكن من نوعية المبدعين المنفصلين عن الواقع، بل كان منخرطاً في القضايا الثقافية والسياسية والوطنية، ومناضلاً حقيقياً حلّ ضيفاً على السجون والمعتقلات وخرج بحصيلة من الأعمال الفنية التي تنتمي إلى مرحلة السجن وتمثلها تماماً، ومن يطّلع على «دفاتر السجن»؛ تلك الكراسة التي تحمل رسومات وكلمات بخط اليد، يجد نفسه أمام فنان متنوع ومختلف، لذلك فإن من يريد الاقتراب من عوالم الصلحي، علية أن يكون حذراً ومسلحاً بالمعرفة، ذلك لأن لوحات الصلحي تنفتح على حقول فكرية وفلسفية، وعن ذلك يقول الصلحي: «لقد وصلت أخيراً إلى نتيجة مفادها أن العمل الفني ما هو إلا نقطة انطلاق لذهنية الفرد، وكأنه مرآة عاكسة تعيدنا إلى ذواتنا»، وبصورة أعمق، هنالك المجال الفكري الصوفي والذي يكاد يدخل كمكون ومشارك أساسي في جميع أعماله الفنية المتعددة، فاللوحة عند الصلحي فيض من الأسرار، ولابد أن تبذل حواسك في فهم وإدراك ومعاني مفرداتها البصرية، وحول هذا المعنى يقول الصلحي: «عليك أن تصغي إلى اللوحة لأنها تتكلم معك وتحدثك بأسرارها».
هوية
تعد لوحة «صدى أحلام الطفولة»، من أهم وأميز أعمال الصلحي، اشتغل عليها في الفترة بين 1961 و 1956، ونالت أرفع الجوائز الفنية الأكاديمية، وهي رسم زيتي، محتشد بالخطوط والتعرجات ذات الأشكال المختلفة، حيث إن كل خط يمثل فكرة قائمة بذاتها، وفي اللوحة نرى كتلة من البشر، وفيها شخص قوي البنية يشير إلى الأمام كأن التاريخ يشير إلى المستقبل، وفيها نساء عربيات وشخصيات بملامح فرعونية وشخص يحمل سورة الفاتحة، ففكرة اللوحة تشير إلى الهوية الحضارية السودانية الثرية والمتعددة المشارب، كما أن الطفولة المقصودة هي الماضي السحيق الذي تشكل منه السودانيون، وكلمة «صدى»، تشير إلى حاضر ومستقبل السودانيين كشعب يتكون من كل هذا الخليط، وكأن الحالة السودانية عبارة عن لوحة تشكيلية عميقة الخطوط وكثيرة الدلالات، وقد صارت اللوحة ضمن مقتنيات متحف «التيت»، البريطاني، وقد عرضت لأول مرة خلال معرض فردي للفنان في ألمانيا عام 1990، وتتكون من أربعة وعشرين جزءاً مرسومة بالحبر الأسود، وكان الصلحي قد أوضح أن العمل مستلهم من فكرة «أن الحقيقة يمكن أن تتكون من عدد من المفاهيم تتجلى في شكلها المادي، مثل تكوين لوحة مرسومة بالأبيض والأسود، يتيحان الفرصة عبر تداخلهما إلى ظهور لون ثالث»، وعبر اللوحة، يطرح الصلحي فكرة أن التراث جدار قوي نستند إليه لنتطلع بقوة نحو المستقبل.
وقــــــــــــــــــــــــد يهمك ايـــــــــــــضا
افتتاح معرض "إشراقات نحتية" في مركز محمود مختار الثقافي الخميس
دمج التقنيات الحديثة مع الفنون التشكيلية بـ"معرض جماعي" في الجامعة الأمريكية بوسط القاهرة
أرسل تعليقك