شكل اختيار نعمات عبدالله محمد خير رئيسا للقضاء في السودان علامة فارقة في تاريخ المرأة باعتبار أنها أول سيدة في المنطقة تتولى هذا المنصب الشديد الأهمية في ظل إقبال البلاد على مرحلة عدالة انتقالية يتوقع أن تقلب الكثير من المعادلات
وجاء اختيار نعمات في أعقاب إسناد 9 مناصب حساسة للمرأة في الحكومة الانتقالية الجديدة، من بينها مقعدان في مجلس السيادة و4 حقائب وزارية شملت الخارجية والتعليم العالي والشباب والرياضة والتنمية الاجتماعية والعمل، إضافة إلى قمة الهرم الإداري في ثلاث جامعات حكومية من بينها جامعة الخرطوم ذات التاريخ العريق.
ويرى مراقبون أن هذا الزخم الذي اكتسبته المرأة في ظل السودان الجديد يضعها أمام تحديات ورهانات كبيرة للغاية.
السيادة والقضاء
وتخوض المرأة أيضا مجال العمل السيادي والقضائي في الحكومة الجديدة وهو ما يبدو أمرا جديدا على البيئة السودانية.
ووفقا للمراقبين فإن اختيار خير لشغل منصب رئيس القضاء يشكل تحديا حقيقيا للمرأة في ظل الأوضاع الانتقالية التي تعيشها. لكن العديد من الحقوقيين والناشطين، مثل المحامي المعز عثمان، يجمعون على أن القدرات المهنية والنزاهة العالية التي تتمتع بها المرأة تؤهلها للعب الدور المنوط بها.
والتحقت خير بالسلك القضائي في العام 1983 وتنقلت خلال الأعوام الـ36 الماضية بين المحاكم الجنائية والمدنية وتدرجت إلى أن وصلت إلى درجة قاضي محكمة عليا في العام 2015.
وإضافة إلى منصب رئيس القضاء دخلت اثنتان في تشكيلة مجلس السيادة وهما عائشة موسى السعيد ورجاء نيقولا عبدالمسيح.
وتتمتع السعيد بقدرات علمية ولغوية عالية وهي أكاديمية وناشطة ولديها اهتمامات ثقافية كبيرة، وهي أرملة الشاعر وأستاذ الأدب المقارن الراحل محمد عبد الحي. وإضافة إلى الجامعات السودانية عملت السعيد في مجال تدريس اللغة الإنجليزية وآدابها في جامعتي الملم سعود والامير سلطان في العاصمة السعودية الرياض، وهي حاصلة على شهادة الماجستير لتدريس اللغة الإنجليزية كلغة ثانية من جامعة مانشستر في المملكة المتحدة، ودبلوم تدريس اللغة الإنجليزية من جامعة ليدز بالمملكة المتحدة أيضا، وشهادة تدريب المعلمين لتدريس اللغات بالولايات المتحدة التحدة.
أما عبد المسيح والتي تمثل أول سيدة قبطية تتولى عضوية المجلس السيادي والحاصلة على ليسانس قانون جامعة القاهرة عام 1980، فتتميز بنشاطها الكبير في مجال العمل الاجتماعي والحقوقي.
خبرة وحيوية
ضمت التشكيلة النسائية عناصر مزجت بين الخبرة والحنكة والتاهيل الأكاديمي العالي وأخرى تميزت بالحيوية والشباب اللذين يعكسان روح الثورة.
ووضعت حقيبة الخارجية الوزيرة أسماء عبد الله أمام واحدة من أصعب مهام الفترة الانتقالية والمتمثلة في إصلاح العطب الكبير الذي لحق بعلاقات السودان الخارجية وبناء أسس جديدة لعلاقات تقوم على التوازن والاحترام المتبادل من أجل تحقيق المصالح الوطنية.
وتعتبر أسماء أول امرأة تتولى هذا المنصب في السودان منذ الاستقلال في 1956.
وكانت أسماء إحدى ضحايا الفصل التعسفي الذي مارسه نظام البشير بهدف تمكين الإخوان من مفاصل الدولة. وعندما فصلت أسماء من عملها في الخارجية بعد أشهر قليلة من انقلاب الإخوان في 1989، كانت حينها تشغل منصب وزير مفوض ونائب رئيس دائرة الأميركتين، قبل أن تعمل في عدد من البعثات الدبلوماسية في الخارج.
وتعد أسماء من الجيل الأول للنساء اللائي دخلن السلك الدبلوماسي، حيث التحقت بوزارة الخارجية في 1971، ضمن أول 4 نساء يطرقن باب العمل الدبلوماسي في البلاد.
أما الحقيبة النسائية الثانية، والتي لا تقل أهمية عن الخارجية، فهي حقيبة التعليم العالي التي ذهبت للبروفسورة انتصار الزين صغيرون، خريجة كلية الآداب جامعة الخرطوم، والحاصلة على الدكتوراة في علم الآثار. وعمل والدها وزيرا للري في حكومة جعفر نميري 1969 ـ 1985.
وغلب عنصر الشباب على حقيبتي التنمية الاجتماعية والشباب والرياضة، حيث أسندت الأولى للينا الشيخ عمر خريجة كلية إدارة الأعمال في جامعة الأحفاد، والحاصلة على ماجستير الاقتصاد من جامعة مانشستر البريطانية. وعملت الشيخ محاضرة في جامعة الأحفاد، كما عملت في عدد من المنظمات الدواية والشركات الخاصة.
وتعتبر ولاء عصام البوشي التي حملت حقيبة الشباب والرياضة هي الأصغر سنا في الحكومة الانتقالية إذ يبلغ عمرها 33 عاما.
وتخرجت البوشي من كلية الهندسة من جامعة الخرطوم، وحصلت فيما بعد على ماجستير في الهندسة الميكانيكية من إمبريال كولج البريطانية. وعملت مستشارة في مجال بناء القدرات وفي مجال التدريس بعدد من الجامعات.
قمم أكاديمية
اختيرت فدوى عبدالرحمن علي طه كأول سيدة تتولى إدارة جامعة الخرطوم منذ إنشائها قبل أكثر من قرن من الزمان. ويعول الكثيرون على فدوى المولودة في العام 1955 لانتشال الجامعة من حالة التدهور المريع الذي شهدته خلال سنوات الإخوان.
وبعد سنوات من مسيرة حافلة بالبحث العلمي والتدريس في جامعة الخرطوم وعدد من الجامعات الأوروبية، عملت فدوى خلال السنوات الاخيرة كأستاذ مشارك للتاريخ الحديث والمعاصر ومسؤولة الجودة في كلية التربية بحامعة الدمام بالمملكة العربية السعودية.
وعند حصولها على درجة الأستاذيّة في التاريخ من جامعة الخرطوم، كانت فدوى هي السيدة الأولى التي تفوز بهذه الدرجة العلمية الرفيعة في ميدان الدراسات الإنسانيّة.
وتتميز فدوى بحسب الكثير ممن عملوا معها بشخصية قيادية قوية، ولها تاريخ طويل من النضال ضد القمع والظلم.
وإضافة إلى فدوى اختيرت سيدتان أخريتان من القمم الإكاديمية لإدارة اثنتين من الجامعات المهمة وهما جامعة وادي النيل التي اختيرت لها إلهام شريف داؤود حسن، وجامعة بخت الرضا التي أوكلت مهمة إدارتها لمنى إبراهيم عبد الله محمد.
تحول كبير
شكلت المرأة عنصرا أساسيا في رسم ملامح السودان الجديد، فبعد مشاركة فاقت الـ50 في المئة، للنساء بمختلف مستوياتهن وأعمارهن في الحراك الثوري الذي استمر نحو 6 شهر واقتلع في أبريل الماضي نظام الإخوان الذي استمر ثلاثين عاما، جاء اختيار النساء العشر في هذه المواقع المهمة.
واعتبرت الناشطة والعضو في مبادرة "لا لقهر النساء"، هناء عباس، أن تعيين عدد من النساء في المناصب القيادية المهمة انتصار للمراة السودانية. وتشير عباس إلى وجود عدد كبير من النساء السودانيات المؤهلات لإداره الدولة.
بداية مهمة
ويؤكد الصحفي مامون الباقر أن تعيين عدد من النساء على رأس الهرم السيادي والتنفيذي والقضائي والتعليمي في الدولة، سيعزز أوضاع المرأة كثيرا.
واعتبر أن ذلك يشكل بداية لتحول كبير وسريع يتوقع أن تشهده أوضاع المرأة السودانية. وبعد أن كانت الشابات وبائعات الشاي والأطعمة الخفيفة وقاطنات مناطق الحروب يتعرضن يوميا للضرب والاغتصاب والاضطهاد من قبل أفراد تابعين للأجهزة الأمنية والحكومية، فجأة تغير كل شيء وشكلت الثورة ما يشبه الحصن المنيع الذي يقف حائلا بين المرأة والظلم والاضطهاد الذي كان يمارس ضدها خلال الحقبة الإخوانية.
ولم يكن حتى أكثر المتفائلين يتوقع أن تطلق ثورة ديسمبر العنان للمرأة السودانية لاستعادة احترامها وكرامتها المنتهكة بهذه السرعة الفائقة.
دور تاريخي
ولم تستغرب مثاني الوسيلة، وهي من الرعيل الأول من النساء اللائي التحقن بالجامعات وإحدى رائدات التعليم في السودان، أن تسهم المرأة بهذا الحجم الكبير في إعادة صياغة السودان الجديد، فقد أثبتت وجودها ومكانتها منذ العصور القديمة، حيث حكمت السودان أيام الممالك وقاتلت في الحروب فكانت سياسية محنكة وأم مربية.
وفي العقود الثلاثة الماضية، وقفت المرأة السودانية جنبا إلى جنب مع الرجل ضد الحكم المستبد.
ووفقا للوسيلة، فإن "دور المراة لم يقتصر فقط على المشاركة السياسية، وإنما شمل ولايزال يشمل تنظيم فعاليات وبناء مؤسسات تنموية تنفض عن الدولة غبار السنوات العجاف وترقى بالمجتمع وتنهض بشبابه، وهو ما يسند اختيار البوشي لحقيبة الشباب والرياضة".
كما ترى الوسيلة أن الثورة أنصفت المرأة عندما اختارت عضوتين بمجلس السيادة وتسليم حقائب الخارجية والتعليم العالي والعمل والتنمية الاجتماعية لنساء يتمتعن بالكفاءة والحيوية.
كما أن اختيار ثلاث نساء لقيادة ثلاث من كبريات الجامعات الحكومية في البلاد سيعزز دور المرأة في النهوض بالبلاد
قد يهمك ايضاً :
اكتشفي دراسة تكشف أن رائحة الرجال العزاب الأكثر جذبًا للنساء
أرسل تعليقك