انفتح المشهد الليبي، أمس، على انفراجة سياسية مفاجئة، بعدما أعلن المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني»، إعادة فتح المنشآت النفطية بعد إغلاق دام نحو تسعة أشهر، «مع كامل الشروط والتدابير الإجرائية اللازمة»، التي تضمن التوزيع العادل للعوائد المالية، وعدم توظيفها لـ«دعم الإرهاب».وقالت مصادر مقربة من حفتر إن قرار المشير فتح إنتاج وتصدير النفط جاء نتيجة مفاوضات سرية أجراها على مدى نحو أسبوعين، عبر وفد يمثله، وضم بعض مساعديه، مع أحمد معيتيق نائب السراج، رئيس حكومة «الوفاق» المعترف بها دولياً، مشيرة إلى أن معيتيق حصل على تأييد تركيا للاتفاق خلال زيارته الأخيرة لها قبل بضعة أيام.
ونفى مصدر رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» أن يكون الصديق، النجل الأكبر لحفتر، قد شارك في هذه المفاوضات، لكنه التزم الصمت حيال معلومات تحدثت عن مشاركة خالد، النجل الثاني للمشير حفتر فيها.وكان مقررا أن يزور معيتيق، أمس، مدينة سرت التي تسيطر عليها قوات «الجيش الوطني» كمؤشر على انفتاح الطريق السياسي نحو اتفاق شامل، حيث قال شهود عيان ومصادر في المدينة إن «الجيش الوطني» اتخذ الترتيبات اللازمة لإتمام الزيارة، التي تم إلغاؤها في اللحظة الأخيرة.
ولم يصدر على الفور أي رد فعل من السراج أو حكومته حول الاتفاق المترتب عن المفاوضات، فيما اكتفى معيتيق، أمس، بنشر محضر اتفاق لمفاوضاته مع وفد حفتر، تضمن ترتيبات تم بلورتها لفتح تصدير النفط، ومن بينها عدالة توزيع الإيرادات، وتوحيد وتعديل سعر الصرف، سواء للمواطنين أو الجهات الحكومية، وفتح التحويلات والاعتمادات والمقاصة المصرفية المقفلة على المنطقة الشرقية، دون تمييز بين المصارف.
وطبقا لنص الاتفاق، فقد تقرر تشكيل لجنة فنية مشتركة من الأطراف، تشرف على إيرادات النفط وضمان التوزيع العادل للموارد، على أن تتولى اللجنة التحكم في تنفيذ بنود الاتفاق خلال الأشهر الثلاثة القادمة، وأن يتم تقييم عملها نهاية السنة الحالية، وتحديد خطة عمل للعام القادم.كما تضمنت بنود الاتفاق العشرة معالجة الدين العام لكلا الطرفين، وتقديم آلية مناسبة لسداده تدريجيا، على أن تستمر هذه اللجنة في الأعمال المنوطة بها إلى حين تشكيل حكومة وحدة وطنية، تتولى إدارة البلاد.
ودعا الاتفاق أيضا إلى وضع آلية مناسبة للاستفادة من الرسم المفروض على سعر الصرف، وذلك باستخدامه في تمويل مشروعات التنمية، وإعطاء الأولوية للمشروعات العاجلة التي تخدم المواطن بشكل مباشر، والمناطق المتضررة وإعادة إعمارها، ودعم المؤسسة الوطنية للنفط بما يضمن إعادة الإنتاج إلى وضعه الطبيعي، وتنفيذ المشروعات على أن تخضع جميع عمليات المؤسسة للتدقيق والمراجعة بالوسائل، والطرق المناسبة لضمان تنفيذ الاتفاق بشكل مناسب والشفافية اللازمة.
وكشف «الجيش الوطني» في بيان للواء أحمد المسماري، الناطق باسمه، النقاب عن أن قرار إعادة فتح النفط تم بناءً على حوار داخلي، شارك فيه أحمد معيتيق، وانتهى بالاتفاق على إعادة الفتح لمدة شهر كفترة «حسن نية»، مقابل توزيع الإيرادات بشكل عادل بين الغرب والشرق والجنوب.وأوضح المسماري أن معيتيق ألغى أمس الزيارة، التي كانت مقررة إلى سرت، بضغط من خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة وميليشيات جماعة الإخوان، ما حال دون عقد أول اجتماع للجنة التي تقرر تشكيلها لحل جميع الخلافات والمسائل العالقة بين جميع الأطراف، لافتا إلى مشاركة القبائل الليبية وأعضاء من مجلس النواب في الحوار.
وأعلن حفتر في بيان متلفز، أمس، أنه «استجابة للدوافع الوطنية، ولحاجات المواطنين الملحة، تقرر استئناف وإنتاج وتصدير النفط، مع كامل الشروط التي تضمن توزيعا عادلا للعوائد، ومنع دعم الإرهاب بها، أو السطو عليها». وقال إن القيادة العامة للقوات المسلحة «تغض الطرف عن كل الاعتبارات السياسية والعسكرية، التي تتخطى معاناة المواطن، في ظل ما يعانيه المواطن من تدن للمستوى المعيشي والاقتصادي»، ورأى أن «كل مبادرات التسوية السياسية، التي يعلن عنها بين الحين والآخر، انتهت إلى الفشل الذريع، ولم يعد للمواطن مجال للثقة في المزيد منها لأنها تستهدف إطالة أمد الأزمة، ولا تكترث سوى بتقاسم السلطة بين المتصارعين عليها».وانتقد حفتر في بيانه من وصفهم بـ«الطامحين المتطلعين إلى السلطة بأي ثمن، دون مراعاة لحقوق المواطن»، الذي قال إن معاناته «وصلت إلى مستوى غير مسبوق، جراء الصراع المنفلت المجنون على السلطة».
في سياق قريب، بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأزمة الليبية خلال اتصال هاتفي مع شارل ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، وقال المتحدث الرسمي للرئاسة بسام راضي، في بيان مساء أول من أمس، إنه «تم التوافق حول ضرورة استمرار العمل على التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للقضية الليبية، وفق المرجعيات الدولية».
بدورها، قالت السفارة الأميركية في ليبيا إنها تدعم بشدة رسالة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، وتقدّر الشجاعة السياسية التي تحلّى بها السراج، في الإشارة إلى استعداده لترك المصالح الشخصية جانبا لصالح الشعب الليبي، واعتبرت «أنه آن الأوان لجميع القادة الليبيين للعمل من خلال العملية التي تيسّرها الأمم المتحدة لاستعادة سيادة بلادهم».
وقــــــــــــــــــــد يهمك يــــــــــــضًأ :
احتجاجات في شرق ليبيا تطالب بـ"إسقاط الحكومة" ورئيس "النواب"
مبادرات لحل الأزمة الليبية على مدار ٩ سنوات من فرنسا إلى مصر
أرسل تعليقك