يرى الباحث الأميركي كورت فرستروب أن ارتفاع مستوى الضجيج والضوضاء بصورة مستمرة في الكثير من المناطق حول العالم يؤدي إلى الحد من قدرة الإنسان على إدراك أصوات الطبيعة وسماعها . ولفت فرستروب خلال مؤتمر الجمعية الأميركية لتقدم العلوم في مدينة سان خوزيه في ولاية كاليفورنيا إن هذا الضجيج يعد مشكلة حقيقية .
أوضح فرستروب أن سبب ذلك هو أننا نعود أنفسنا على عدم إدراك المعلومات التي تصل إلى آذاننا وبذلك يؤثر هذا الأمر في إدراك أصوات الطبيعة وسماعها .
والضوضاء هي خليط من الأصوات غير المرغوب فيها، والتي تؤثر في نشاط العاملين وإنتاجهم فضلاً عن تأثيرها في السمع والجهاز العصبي وأجهزة الإنسان الأخرى .
وقد أصبح الضجيج في عصرنا الحاضر من أكبر عوامل التلوث في الهواء شدة، خاصة في المدن حيث تزدحم بأصوات وسائل النقل المختلفة والآلات الحديثة الأخرى التي تساهم في إنجاز الأعمال المدنية في الشوارع والطرقات . ولهذا فإن التحكم في الضوضاء أصبح مشكلة تشغل ذهن العلماء المهتمين في جميع أنحاء العالم، وهم يبذلون قصارى جهدهم للوصول إلى المستوى المناسب والممكن السماح به لشدة الصوت .
وتعتبر الضوضاء أو الضجيج المستمر نوعا من أنواع التلوث الفيزيائي، فصار الإنسان اليوم يعيش وسط محيط هائل من الأصوات المزعجة التي تحيط به أينما ذهب، حتى أصبح من الصعب عليه أن ينعم بالراحة والهدوء والسكينة . ففي الشارع توجد السيارات الكثيرة وتنطلق أصوات آلات البناء ورصف الطرق .
وفي المكتب تشتغل أجهزة تكييف الهواء . وفي المنزل تصدر أجهزة الراديو والتلفاز والتسجيل والغسل والكنس والآلات الأخرى ضوضاء تحطم الهدوء المنشود وإذا كان عملك أو سكنك قريبا من المطار أو قريبا من طريق سريع فلا بد أنك تعش ضجيجاً من نوع اخر بين الفينة والأخرى . ولهذا أصبحت الضوضاء سمة من سمات عصرنا مسيطرة على الإنسان تضعه تحت وطأتها رغم أنفه .
وتؤثر الضوضاء في معيشة الإنسان وفي صحته تأثيرا بالغا في أكثر الأحيان، بحيث لا تقف عند حد الإزعاج فحسب، بل تتعدى ذلك إلى إحداث تلف في الأذن وتتسبب في أمراض عديدة تصيب أجهزة الإنسان المختلفة كالأعصاب مثلاً . ونجد أيضاً أن سكان المنازل بالمناطق التي بها نسبة عالية من الضوضاء يضطرون إلى إغلاق النوافذ في داخل منازلهم لكي ينعموا بهدوء نسبي ويتجنبوا الجلوس في حدائق منازلهم بسبب هذا الضجيج والضوضاء .
وقد أثبتت البحوث والدراسات العالمية أن الضوضاء عند زيادتها عن حدود معينة تؤدي الى الصمم، كما أثبتت الحقائق العلمية البحثية أن شدة الضوضاء تسبب خفقانا في القلب ولهذا اعتبرت هذه الأمراض التي تصيب القلب من أمراض العصر التي تكثر في المدن المصابة بالتلوث الضوضائي .
ويؤكد بعض المتخصصين إن النائم يتأثر بالضوضاء عندما يصل منسوبها إلى أذنيه (20 ديسيبل) . ولم يعرف إلى الآن لماذا يتأثر النائم بهذا المنسوب المنخفض من الضوضاء وعلى الرغم من أن هذا المنسوب لا يسبب إيقاظ النائم إلا أن استمرار النوم مع وجود الضوضاء يؤدي إلى أضرار صحية .
وتؤثر الضوضاء في السمع عند الإنسان بشكل خاص، حيث إن للضوضاء العالية أضرارا جسيمة على الاذنين، فيمكن لهذه الضوضاء أن تحدث ضعفا في السمع لفترة محدودة ومن ثم يعود إلى حالته الأولى . وهذا يحدث في كثير من الأحيان عندما يتعرض الإنسان لضوضاء عالية ولفترة محدودة مثل المصانع والورش .
ويمكن لهذا الضعف المؤقت أن يصبح دائما إذا كان التعرض للضوضاء العالية يوميا وبصورة مستمرة وعندها لا يستطيع الإنسان سماع الحديث الهادئ . وهذا الضعف المستمر يمكن أن يتطور الى صمم كامل مستديم نتيجة لسماع صوت عال مثل أصوات الانفجارات والقنابل والمدافع وبشكل يومي . ويلفت بعض العلماء السويديين ان الصمم كان منتشرا بين النحاسيين والحدادين . ويمكن القول أن الإنسان يحس بنمنمة في الأذن إذا تعرض إلى صوت بشدة 120 ديسيبل .
وتتحول هذه النمنمة الى ألم عندما تصل شدة الصوت الى 30 ديسيبل، وقد تسبب تلفاً في جهاز السمع إذا استمر الصوت فترة من الزمن .
كما تتسبب الضوضاء في أمراض عديدة تصيب الجهاز العصبي وخاصة كلما كانت الضوضاء مركزة . فالضوضاء العالية تدفع إلى الجهاز العصبي في صورة تنبيهات كهربائية وتعبر الألياف العصبية حتى تصل إلى لحاء المخ فتهيج خلايا تلك المنطقة . وهذا التهييج يكون له تأثير سلبي على كثير من أعضاء الجسم كالقلب الذي يسرع في نبضاته، والجهاز الهضمي الذي تتقلص بعض عضلاته .
وقد تؤدي الضوضاء العالية المستمرة إلى إحداث توتر عصبي ومن ثم التقلب المزاجي الذي يشكو منه الكثيرون في العصر الحديث . وهذه التقلبات المزاجية قد تؤدي إلى الأرق واضطرابات الجهاز الهضمي وارتفاع مستوى الكولسترول في الدم، وعدم القدرة على التعبير عن المشاعر والأحاسيس بصفة مستمرة، والأرهاق العصبي والتعاسة التي تصيب أكثر الناس،وتنعكس هذه الحالة على عدم القدرة على التركيز وضعف الكفاءة في الأداء والتراخي في ردودالأفعال عند الخطر .
ويوضح المختصون إن التعرض المستمر للضوضاء يؤثر أيضاً على جسم العين، وعلى الأوعية الدموية، فعند التعرض لضوضاء أكبر من 87 ديسيبل تنقبض الأوعية الدموية وتنكمش الشرايين الصغيرة وينقص حجم الدماء داخلها، وعندما تتوقف الضوضاء تحتاج هذه الأوعية الصغيرة إلى خمس دقائق كي تعود إلى وضعها الطبيعي وبالتالي يأتي الشعور بالصداع الشديد في الرأس .
وتؤدي الضوضاء إلى خفض نوعية الأنتاج وإن كانت في بعض الحالات لاتمس الكم . وقد أشارت الدراسات إلى أن الضوضاء تؤثر تأثير مباشرا في قدرات العمال المعرضين لها وبالتالي تؤثر في خفض وجودة الأنتاج .
وعلى سبيل المثال، تم اختيار عينة قوامها 8542 عاملا من المعرضين لمستويات مختلفة من الضوضاء ويعملون في صناعة واحدة وهي صناعة الغزل والنسيج ولكن في ثلاثة مصانع يمثل كل منهما مجتمع مختلف عن الأخر .
وأظهرت نتائج الدراسة أن معدل الأنتاج في المجتمعات القروية مرتفع أرتفاعا جوهريا عنه في المجتمعات الحضرية، كما يتميز عمال المجتمعات القروية بالاستقرار . كما تبين للباحثين أن المحتوى الضوضائي أثر في المستوى الصحي في المجتمعات الحضرية وفي ارتفاع معدلات الجزاءات بسبب عدم إدراكهم ووعيهم بمسؤولياتهم الوظيفية، ولمعدلات الغياب المرتفعة .
وثبت من الدراسة أن الضوضاء لها تأثير في الإنتاج والحوادث وأن هناك فرقا بين نسبة الحوادث للعمال المعرضين للضوضاء أعلى من 90 ديسيبل وبين العمال المعرضين لضوضاء أقل من 90 ديسيبل داخل بعض العوامل الاجتماعية والاقتصادية في تأثير الضوضاء على الانتاج والجزاءات والغياب والحوادث، وكان هذا التداخل واضحاً فى تأثيره على معدلات الغياب والإنتاج .
أرسل تعليقك