يلوذ بالكتاب منذ صغره. وكان دائماً ما يوجه بصره إلى السماء ليواصل رحلته في فضاء الخيال فكثرت مؤلفاته التي تضج برؤاه الغامضة والواضحة وهو يشكل حروفه بفكر ناضج، وإيمان حقيقي بأن الكتابة هي صورة الكاتب التي تعكس ما استقر في ضميره من رؤى وتصورات.
أصدر الكاتب والروائي علي أبوالريش نحو 42 كتاباً واختيرت روايته الأولى الاعتراف ضمن أفضل مائة رواية عربية خلال القرن العشرين من قِبَل اتحاد كتاب العرب، وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات.
وعبر مسيرته الطويلة مع الكتابة حصل على جائزة الإمارات التقديرية للعلوم والفنون والآداب للرواية عام 2008، ووسام مجلس التعاون لدول الخليج العربية للإبداع في مجال الرواية بالرياض، لقيت أعماله الروائية طريقها إلى الدرس الأكاديمي، وكتبت عنها دراسات عديدة منها: رسالة دكتوراه بعنوان «المواضيع الاجتماعية والسياسية والفكرية في روايات علي أبوالريش: دراسة تحليلية نقدية» ومؤخراً كان ضمن فريق «ملهمون» الـ 49 مبدعاً إماراتياً المشاركين في تصميم الهوية الإعلامية لدولة الإمارات ولا تزال مسيرته محلقة في فضاء الإبداع الأدبي.
نظرة للمستقبل
يقول الأديب علي أبوالريش: لا تزال راسخة في ذاكرتي تلك المرحلة التي كنت أشترك فيها مع زملائي من أجل شراء كتاب، ومن ثم نتداوله للقراءة ثم نفتح حواراً للمناقشة حوله. في تلك الفترة كانت الطموحات كبيرة، والنظرة للمستقبل تلامس السماء.
تشكلت ذائقتي واتجهت لقراءة الكتب الفلسفية والأدبية، إذ كانت الأجواء في فترة الستينيات - وأنا في عمر 16 عاماً - تضيء من خلال مشروعات ثقافية زاهرة، مبيناً أنه ارتبط بالثقافة المصرية التي تضوع رحيقها بشكل أكبر عندما ذهب إليها لدراسة علم النفس في جامعة عين شمس، إذ يؤمن بأنه بالإضافة إلى أهرامات مصر الشامخة هناك ثلاثة أهرامات عملاقة في الأدب والفن والسياسة هم: جمال عبدالناصر ونجيب محفوظ وأم كلثوم، مشيراً إلى أنه انغمر في شراء الكتب من الأماكن الشهيرة مثل سور الأزبكية ومكتبة الفجالة، وأنه ظل ينهل من هذا الفيض حيث كان يشعر بأن هذه الأجواء التي تباع فيها الجرائد في كل مكان، والتي يتلقفها الناس من أيدي البائعين في الشوارع، وكذلك الكتب التي تباع على الأرصفة بشتى صنوفها كفيلة بأن ترعى إبداعه، وهو ما جعله يكتب جزءاً من «الاعتراف» أولى رواياته الأدبية في مصر والتي أكملها بعد ذلك في الإمارات.
الكتاب الورقي
يبين أبوالريش أنه لا غنى عن الكتاب في حياته، مؤكداً أنه لا يعرف القراءة من خلال «جوجل» بالشكل الرقمي، ويشعر مع الكتاب الورقي بالدفء والحميمية، مشيراً إلى أن إرهاصات الكتابات الأولى كانت في المرحلة الثانوية عندما كان يعد المجلة الثقافية في نادي الاتحاد الرياضي في رأس الخيمة، حيث كان يتولى بمفرده كتابة القصص القصيرة والمقالات على هذه اللوحات الجدارية، موضحاً أن أولى إصداراته الأدبية كانت عبارة عن مجموعة قصصية حملت عنوان «ذات المخالب» التي طبعها في مصر في دار شرقيات، وأنه بدأ بهذا اللون القصصي لأنه يلائم طبيعته وقدراته السردية مع إيمانه بأن كل إنسان في داخله قصة لم ترو بعد، كما أنه يشعر بأن الخيال لديه يتسع لكل شيء ومن ثم الخوض في مجالات أدبية متعددة.
صاحبة الجلالة
وحول صعود أبوالريش أدبياً وفكرياً في الساحة الإماراتية بعد عودته من مصر يورد أنه تشبع بالروح الفلسفية التي امتزجت بنهر الإبداع الأدبي الذي يجري بداخله، مبيناً أن حياة أخرى أشرقت في روحه في ذلك الوقت بخاصة أنه استفاد بشكل كبير من دراسة علم النفس، واتجه للالتحاق بوظيفة «اختصاصي اجتماعي» في إحدى الجهات لكن نفسه كانت تدعوه إلى المضي في طريق آخر، فتوجه إلى بلاط صاحبة الجلالة التي له معها قصة لا تزال محفورة في ذاكرته، موضحاً أنه توجه في هذه الأثناء إلى صحيفة «الاتحاد» والتقى رئيس التحرير آنذاك خالد محمد أحمد وهو متأبط روايته «الاعتراف» وأنبأه عن رغبته بالعمل في الصحيفة، وتفاجأ بأنه قال له «اذهب إلى صالة التحرير واختر القسم الذي تريد»، فانضم إلى قسم «عربي وعالمي» وكان يكتب مقالاً أيضاً، غير أنه في لحظة فارقة اقترب منه عبدالعال الباقوري وقال له: «مكانك في الثقافة وليس في هذا القسم» ومن ثم تولى بعدها رئاسة القسم الثقافي لمدة عشر سنوات، وشيئاً فشيئاً أصبح مدير تحرير وظل 6 سنوات في هذا المنصب، وشعر خلالها بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه لدرجة أنه لم يكن يحصل على إجازات إلا نادراً، وكان ذلك يحدث عن طواعية وحب للعمل، بخاصة أن الست سنوات هذه كانت مليئة بأحداث عربية وعالمية مهمة، وهو ما كان يتطلب اليقظة وأنه كان يعقد جلسة حرة مع الموظفين بعيداً عن العمل لإشاعة أجواء المحبة والألفة بشكل دائم.
ويعترف أبو الريش أنه يوم غادر الصحيفة كان ذلك أصعب يوم في حياته، موضحاً أنه بعد التقاعد شعر بأنه يعيش في فضاء أوسع حيث القراءة والتأليف، إذ التحق في هذه الأثناء بمشروع قلم الذي كان يتولى طباعة الأعمال الأدبية للمبدعين الإماراتيين الشباب، وأن الراحل محمد خلف المزروعي هو الذي وضعه في هذا المكان على حد قوله.
بلد التسامح
ويؤكد أنه مهما قدم للإمارات فإنه لن يفيها حقها، بخاصة أنها بلد التسامح الذي يتبنى أجمل القيم الإنسانية في العالم، وأنه يشعر بأنه مثل المحارب الذي يكرس نفسه من أجل قضايا وطنه، مشيراً إلى أن عموده «مرافئ» في صحيفة الاتحاد كان ولا يزال محطة استنارة، ويصفه بأنه مخرز لجمع فصوص الفضة ونقشها على قماشة الوطن، وأنه لا يزال يشعر بأن أجمل مقال كتبه في حياته كان عن أحد الموظفين في صحيفة «الاتحاد» كون هذا الموظف كان مثل جندي مجهول في بيئة العمل، ويرى أنه من الضروري أن يكون كاتب العمود موسوعياً وأن يلم بالفلسفة والتاريخ، وأن أغلى هدية حصل عليها في حياته كانت حصوله على جائزة الإمارات التقديرية للفنون والآداب عام 2018، وأن أكثر الأخبار التي سببت له الحزن واهتز معها وجدانه يوم رحيل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأنه أيضاً ألغى رحلته إلى موسكو بسبب وفاة الشاعر حبيب الصايغ الذي كان من المقرر أن يرافقه في هذه الرحلة ضمن زيارة ثقافية، لكنه أصر على حضور مراسم الدفن وعدم السفر، أما أسعد المواقف في حياته فكان ميلاد ابنته فاطمة «آخر العنقود».
طقوس خاصة
ويذكر أبو الريش أنه يطمح إلى إنجاز رواية في ذهنه حالياً مختمرة في وجدانه منذ سنوات، بخاصة أنها موجودة بكل تفاصيلها في ذاكرته، لكنه يأمل بأن تأتي اللحظة التي يقرر فيها كتابتها، إذ لن تأخذ وقتاً طويلاً نظراً لأنها بكل شخوصها وحيواتها مترسخة في نفسه، ويبين أن له طقوساً خاصة في القراءة إذ يستيقظ يومياً في الساعة الخامسة صباحاً، ويتوفر للقراءة حتى العاشرة، ثم يشرع في كتابة مقاله، أو الكتابة في ميادين أخرى، ويرى أنه أخذ حقه كاملاً كأديب من خلال وجوده في الحياة الثقافية، من ثم قدرته على التعبير عن رأيه بحرية، ويشير إلى أن الإمارات وصلت إلى مستوى مرموق في كل المجالات وأن الطريق معبد بالأمل للحفاظ على القمة، دائماً، ويلفت إلى أنه سعيد لتناول أكثر من باحث أدبه في رسالات دكتوراه وماجستير فضلاً عن وجود كتب له في وزارة التربية والتعليم مثل «زايد الشخصية الاستثنائية، زايد والذكاء الاجتماعي» وكتاب آخر في وزارة التسامح بعنوان «لماذا أنا ولسنا نحن أسئلة في التسامح».
تكريمات وجوائز
يقول الأديب علي أبو الريش، إنه يعتز ببعض التكريمات والجوائز التي حصل عليها في حياته مثل: جائزة الإمارات التقديرية للعلوم والفنون والآداب للرواية من قبل رئيس الدولة عام 2008م. وجائزة أفضل تأليف إماراتي عن روايته زينة الملكة عام 2004م. وجائزة مسرح رأس الخيمة الوطني للإبداع الأدبي عام 2004م. وجائزة التميز الإعلامي في الدورة الرابعة لجائزة تريم عمران الصحفية لعام 2000م. وجائزة مهرجان الرواد العرب من جامعة الدول العربية في الدورة الثانية لعام 2002م. وجائزة أفضل كاتب محلي في مجال الإبداع الأدبي عام 2007م. وأنه شعر بحجم المسؤولية من خلال المشاركة ضمن فريق «ملهمون» الـ 49 مبدعاً إماراتياً في تصميم الهوية الإعلامية لدولة الإمارات، وأنه سعد كثيراً بحصول الدكتور كاشف جمال من الهند على شهادة الدكتوراه في مجال غزارة الأدب في روايات علي أبوالريش 2019.
مؤلفاته
من ضمن مؤلفات الأديب علي أبو الريش رواية الاعتراف 1980، السيف والزهرة 1985م، تل الصنم 1985م، رماد الدم 1986م، نافذة الجنون 1989م، سلايم 1997م، جلفار (عطش النخيل) 1998م، ثنائية مجبل بن شهوان
قــــــد يهمــــــــــــــــك ايضــــــــــــــــــا:
أبوظبي تستضيف اجتماعات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب
ختام أعمال الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بإدانة التكفير المتطرف
أرسل تعليقك