الثقافة الشفهية الكتابة ليست الأداة الوحيدة لحفظ الذاكرة
آخر تحديث 04:04:54 بتوقيت أبوظبي
 صوت الإمارات -

"الثقافة الشفهية" الكتابة ليست الأداة الوحيدة لحفظ الذاكرة

 صوت الإمارات -

 صوت الإمارات - "الثقافة الشفهية" الكتابة ليست الأداة الوحيدة لحفظ الذاكرة

كتاب "التقاليد الشفهية.. ذاكرة وثقافة"
الشارقة – صوت الإمارات

يسعى كتاب «التقاليد الشفهية.. ذاكرة وثقافة" للفرنسي لويس جان كالفي، والذي قام بإصداره مشروع «كلمة" للترجمة بترجمة الدكتور رشيد برهون، إلى إعادة الاعتبار للثقافة الشفهية عبر إزاحة صورة نمطية تشكلت عنها في الأذهان، فكلما تم الحديث عن الثقافة الشفهية تبادرت صورة مجتمعات منزوية في قاع الأدغال، أو منعزلة في أعالي جبال لا تطؤها قدم إنسان، بعادات غريبة، وثياب فاقعة.
عملية إعادة الاعتبار تبدأ بالدعوة إلى رفض هذه النزعة الغرائبية المبتذلة، وهذه الرؤية المتلصصة التي لا تقبل الآخر إلا في غرابته وليس في اختلافه، وهذه نقطة جوهرية مهمة جداً، إذ إن إلباس الغرائبية على الثقافات المختلفة، ينشد دائماً «متعة مسرحية" عبر إظهار هذا الآخر كغريب وغامض وأيقونة تخفي عوالم سحرية مدهشة وأسطورية، بالتالي لا تكمن المتعة في اقتحامه والتعرف إليه عبر اكتشافه، بل التعامل معه في غرائبيته تلك.
والمؤلف هنا يكسر هذه النظرة، ويضع الأشياء في حدودها، ويحاول أن يقودنا للتعرف إلى الثقافة الشفهية، وهو في البدء يعترف بصعوبات تعتري هذه العملية، وأكبر هذه الصعوبات التي تواجه أي باحث في هذا المجال، تكمن في تصوره لهذه الظاهرة انطلاقاً من معايير المجتمعات ذات التراث المكتوب، فهذه المجتمعات تقدح في المفاهيم الشفاهية، فينشأ تقابل من جهة أولى بين المعرفة متمثلة في إجادة الكتابة والقراءة، والجهل والأمية أي عدم معرفة مبادئ القراءة والكتابة، كما لو أن كل معرفة رهينة بمعرفة الكتابة.
ويدحض كالفي تلك النظرة التي ترسخت عند المجتمعات الحديثة ذات التراث المكتوب، والتي ترى أن تلك الثقافات الشفاهية جاهلة ومتخلفة لكونها لا تعرف القراءة والكتابة، فالتقليل من شأن الشفهية ورواياتها قد نبع من تلك المجتمعات الكتابية، هذا التعالي في تعاملها مع الرواية الشفوية كمكتشف غامض وبدائي. كما أنه في ذات الوقت ينتصر للثقافات الشفهية التي طورت من أدواتها الخاصة بحيث حفظت تراثها وخصوصيتها فتناقلتها جيلاً عن جيل، فهي قد طورت ظواهر عديدة لحل مشكلة التواصل، وحفظت الذاكرة الاجتماعية من الضياع.
ويفند المؤلف تلك الأسئلة التي هي وليدة مجتمعات التقاليد المكتوبة؛ فما يعد خللاً لصيقاً بالشفهية، هو في حقيقة الأمر المبدأ المؤسس لها، فالأسلوب الشفهي يعتمد على تنويعات النص التي تندرج في إطار يستهدف التخزين في الذاكرة، ويضطلع بوظائف أخرى، فالنص الشفهي ليس واقعة غرائبية أو قديمة، ولكنه حاضر معنا يعايشنا ويستمر في ثنايا الأشكال التي نتعامل معها يومياً. ومن هنا برزت تلك المقارنات الرصينة بين معطيات اللسانيات الحديثة، وما يتضمنه التراث الشفهي من مبادئ مستقاة من لغات قبائل إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وبين طرائق الحساب الحديثة وتلك التي تعرفها المجتمعات الشفهية. هذا عدا أن العديد من الوقائع التي تميز مجتمعات التقاليد الشفهية تحضر بدرجات متفاوتة في مجتمعات التقاليد المكتوبة.
ويرى المؤلف بشكل جوهري وعميق أن الفرق بين مجتمعات الكتابة، وتلك المجتمعات ذات الثقافة الشفهية، ليس فرقاً بين الحضارة والتوحش، بل هو يحيل إلى نمطين من المجتمعات، وطريقتين في رؤية العالم، مظهراً خطل تلك الفكرة التي أسست لنظرية التفوق ثم المركزية التي تريد تنظيم كل مجتمعات العالم على نمط واحد، هو نمطها، ولا ترى إلا حضارتها وتفوقها فتحط من شأن الثقافات الأخرى، ومن هنا جاءت تلك العبارة البليغة التي يختتم بها الكتاب رحلته مع التراث الشفهي «ويبقى اللفظ".
ويكشف الكتاب عن أن التقاليد الشفهية تنتمي إلى ثقافة لها خصائصها ومميزاتها، وترتبط هذه الخصائص بدورها ارتباطاً مباشراً بالتاريخ، وتبرز هنا خاصيتان تقعان في صميم القضية المدروسة، وهما مفهوم الزمن، ومفهوم الحقيقة التاريخية، فمجتمعات الثقافة الشفهية لها أنظمتها الخاصة في قياس المكان والزمان.
ويلاحظ كالفي أنه في المناطق التي رزحت زمناً طويلاً تحت نير الاستعمار، لتنال استقلالها مؤخراً، قد عمل النظام الإداري والتعليمي على تهميش اللغات المحلية لصالح لغات المستعمر، مثل الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والبرتغالية، والتي ظلت حاضرة بقوة حتى بعد الاستقلال، وهي لغات مكتوبة مقابل المحلية غير المكتوبة، مما جعل هذه الأخيرة محل ازدراء بسبب شفاهيتها.
ويخلص المؤلف إلى أن الكتابة اليوم قد فرضت نفسها، بحيث إن جميع لغات العالم، باستثناء اللغات الآيلة للانقراض، ستصبح لغات مكتوبة في المستقبل القريب. وهي مسألة مستحبة ومنشودة، نظراً لأن الكتابة هي الوسيلة الوحيدة التي وستسمح لتلك الشعوب بالمحافظة على ثقافتها. بيد أن الانتقال إلى الكتابة يجب أن لا يحكمه منطق استنساخ الممارسات الغربية. فإذا كان من المسلم به أن المجتمعات ذات التقاليد الشفهية لها خصوصيتها المميزة، فإن عليها أن تشق طريقها الخاص نحو الكتابة، وتبتدع الطريقة التي تستعملها بها.
 

emiratesvoice
emiratesvoice

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الثقافة الشفهية الكتابة ليست الأداة الوحيدة لحفظ الذاكرة الثقافة الشفهية الكتابة ليست الأداة الوحيدة لحفظ الذاكرة



GMT 04:59 2024 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
 صوت الإمارات - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 15:23 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

تغير المناخ المستمر يشكل خطرًا على التوازن البيئي للطيور

GMT 17:51 2018 الأربعاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرف على أشهر المطاعم العربية الحلال في جنيف

GMT 18:46 2013 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

"سوني" تطرح بلاي ستيشن 4 في عدد من الدول

GMT 13:10 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق المؤتمر الدولي للحد من الزئبق

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,01 شباط / فبراير

أفكار بسيطة لتجديد المنزل بأقل التكاليف الممكنة

GMT 23:13 2016 الإثنين ,18 إبريل / نيسان

الإضاءة الداخلية عنوان في هوية المكان

GMT 20:50 2013 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إنفاق 237 مليار دولار سنويًا لدعم الطاقة في الشرق الأوسط

GMT 05:53 2017 الثلاثاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

إسطنبول مدينة رائعة تحضن كل الأمزجة التي تنبض بالحياة

GMT 09:41 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

بحث مشاريع الطاقة بين الأردن ومصر والعراق

GMT 19:07 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

وفاة بطلة فيلم "لوليتا"

GMT 03:55 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إشادة كبيرة من الجمهور المشارك في حفل "الماسة كابيتال".

GMT 01:26 2019 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير تشيز كيك التفاح بطريقة سهلة وبسيطة

GMT 10:14 2019 الخميس ,06 حزيران / يونيو

إخراج عنكبوت صغير مِن أعماق أذن امرأة فيتنامية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates