دبي - صوت الإمارات
في سبعينات القرن الماضي اشتهر المسلسل التلفزيوني الشهير "رجل الستة ملايين دولار" (The Six Million Dollar Man) عام 1973 ،1978 وكذلك كان الحال في مسلسل "المرأة الخارقة" (The Bionic Woman) عام 1976 ،1978 وفي المسلسل الفضائي "ستار تريك فوياجر" (Star Trek Voyager) عام 1995 . كل تلك الأعمال كانت نابعة من كتابات وأعمال كتاب الخيال العلمي الذين تخيلوا منذ زمن بعيد ما أسموه الكائن السيبرنتيكي (Cyborg) أو السايبورغ، أي الإنسان فائق القدرات الذي طورت قدراته من خلال وسائل إلكترونية كالشرائح الكمبيوترية التي تدمج في جسده لتضفي عليه قدرات جسدية وعقلية خارقة، ويبدو أن هذه الأعمال الخيالية باتت قاب قوسين أو أدنى من عالم الغد إن لم نقل عالم اليوم لأنها في طريقها لأن تصبح حقيقة واقعة، ويرى العديد من كتاب الخيال العلمي والمستقبليات، إن ظاهرة تحول التكنولوجيا نحو الجسم البشري، ستشهده البشرية خلال الأعوام المقبلة، وستؤدي إلى إحداث ثورة علمية جديدة ربما تكون الأهم في تاريخ البشرية .
السايبورغ هو مصطلح صاغه عام ،1960 عالما الفضاء الأميركيان مانفريد كلاينز، وناثان كلاين، من الكلمتين Cybernetic Organism، وتعني حرفياً الكائن المهجن من الآلة والأعضاء الحية . ويرتبط بهذا المصطلح أيضا، مصطلح آخر يسمى "بيونكس" Bionics أي "بيوني"، وهو مشتق من الكلمتين Biological Electronics، وتعني دمج المكونات الإلكترونية بالمكونات البيولوجية ومنه ظهر مصطلح "الكائن البيوني" . ويدخل المصطلحان ضمن علم السيبرنتيكا Cybernetics أي علم دراسة الاتصالات والتحكم الآلي في النظم العصبية للكائنات الحية ومحاكاة الآلات لها .
والواقع أن تقنية المستزرعات الدماغية التي شهدت تطورا مهما في السنوات الماضية وهي التي تزرع في الدماغ على شكل رقائق كمبيوترية بهدف تحفيز المناطق المصابة، كما هو الحال في مرض باركنسون، والاكتئاب المزمن، واضطرابات الوسواس القهري، وفقدان الذاكرة لاستعادة المهارات الحركية كان لها الأثر الأكبر في تطور مجال السايبورغ الذي أصبح يستخدم لتحريك الأعضاء الاصطناعية عن طريق الفكر، وقد طورت هذه التقنية من قبل الجيش الأميركي لتعويض الجنود الذين فقدوا الساقين والذراعين في النزاعات العسكرية المختلفة الحديثة والمستقبلية، لكن التطورالأكثر إثارة كان عند المكفوفين الذين يتم تحفيز الفص القذالي (المركز الدماغي للبصر) لديهم عن طريق أجهزة استشعار كمبيوترية تزرع في شبكية العين، وعلى عكس ما يعتقده البعض فإن هذه المستزرعات الإلكترونية سهلة التركيب أو الدمج ويمكن القيام بها من خلال تجويف الأنف أو الحلق، مع اللجوء بالطبع كتقنية استرشادية مساعدة إلى MRI أي الرنين المغناطيسي الوظيفي .
وشهدنا مؤخرا كيف اخترقت أجهزة شركة سوني العملاقة، وكذلك أجهزة الكمبيوتر في وكالة "ناسا" الفضائية، فكيف يمكن تجنب مسألة سيطرة طرف ثالث سيئ النية على حركة إنسان يمتلك في جسمه شرائح إلكترونية مبرمجة؟ الحقيقة أن هذه المسألة حلت جزئيا عن طريق من جامعة جونز هوبكنز في ولاية ماريلاند،البروفيسور مايكل ماكلوغلين حيث أجرى ماكلوغلين تجربة على رجل يدعى ليزلي بوغ من كولورادو على إثر تعرضه لصدمة كهربائية كبيرة اضطرته إلى بتر ذراعيه عند مستوى الكتف، قام البروفيسور مايكل ماكلوغلين باستزراع ذراعين على شكل أطراف اصطناعية ذات قدرة فائقة على التحرك، لكن الشيء غير العادي في هذا الإنجاز تمثل في أن الحركات في هذه الأطراف الاصطناعية كان يتم التحكم بها مباشرة عن طريق الفكر وليس من خلال مستزرعات ثابتة في الدماغ . ولكن هل من الممكن أن يذهب بورغ إلى ما هو أبعد من ذلك؟
الحقيقة أنه من السهل علينا تصور أن الهدف من أي بديل إلكتروني هو أن يكون أكثر موثوقية وقدرة بالنسبة إلى الشخص الذي يحمله، ومن الواضح أن هذه البدائل ستعطى عاجلاً أو آجلا قدرات فوق المتوسط بمعنى أننا يمكن أن نرى أشخاصا في المستقبل قادرين بكل سهولة على اقتلاع الأشجار، وتحريك الصخور الضخمة، ومن هنا فهذا الاكتشاف يفتح الطريق بالفعل لعصر السايبورغ، أي المزج بين الإنسان والآلة لإنتاج كائنات بقوى خارقة . ويقول د .جون بيير ديكيه في كتابه: "العدوان النهائي أو إعادة تشكيل الإنسان": سيقودنا العلم من عالم الروبوتات إلى الأتمتة، وفي المستقبل سيتم استزراع أعضاء اصطناعية ذات قدرات جديدة فائقة، ووظائف لم يسمع بها من قبل .
كما يبدو أن د .مايكل ماكلوغلين لم يكن على خطأ عندما أكد "أعتقد أننا ما زلنا في البداية مثلما كان الحال في الأيام الأولى للإنترنت، فهناك إمكانات هائلة أمامنا، وبدأنا بالفعل السير في هذا الاتجاه، وأعتقد أننا سنشهد خلال السنوات الخمس أو العشر المقبلة تقدما هائلاً في مجال (السايبورغ) .
من جهته نائب رئيس شركة تسلا الأميركية للمحركات يرى جيروم جيلن في كتابه "عقل المستقبل: الذكاء الصناعي" أن المجتمعات الصناعية يسودها اعتقاد بشأن المستقبل، يتمثل في أن البشر سوف يندمجون مع التقنية، التي ستندمج مع الوعي، ما يسمى بالسايبورغ أو تطور التكنولوجيا الواعية، ويضيف جيلن أن هذه التقنية الآن أصبح بمقدورها محاكاة خصائص المعرفة عند البشر، وخصائص تركيب الصوت، كما في البرمجة الذكية للكمبيوتر، ويرى جيلن أيضا أنه سوف تصنع أدوات وأجهزة نانوية (النانو يساوي واحداً من المليار المتر)، تستخدم كملحقات مكملة للجسم البشري، سواء لاستبدال أعضاء أو لأغراض علاجية أو لمضاعفة قدرات البشر الجسدية والعقلية .
وفي إطار الجمع بين الإنسان والآلة تمكن فريق من علماء الهندسة البيولوجية من جامعة كاليفورنيا بيركلي، برئاسة العالم بوريس روبينسكي في العام 2000 من إنتاج أول شريحة كمبيوترية حية، عن طريق دمج شريحة كمبيوترية وخلية بشرية حية، ليضعوا بذلك أول لبنة في بناء رقائق إلكترونية جديدة، من الممكن أن تحدث ثورة غير مسبوقة في مجال عمليات استزراع أجهزة إلكترونية لتدعيم قدرات الجسم البشري .
وفي العام ،2001 تمكن العالمان الألمانيان غونتر زيك وبيتر فرومهيرز في معهد ماكس بلانك للكيمياء الحيوية في ميونيخ، من دمج نحو 20 خلية عصبية من دماغ حيوان الحلزون الرخوي مع رقيقة إلكترونية من السيليكون، لإنتاج أول شريحة عصبية إلكترونية حية، ونجحت الرقاقة الإلكترونية في التخاطب مباشرة مع الأعصاب، وكأنها عصب حي . ونجح العالمان أيضاً في دمج أنسجة من الدماغ الحي استخلصت من فأرة مختبر، مع رقيقة إلكترونية تماثل الرقائق الإلكترونية لجهاز الكمبيوتر .
ومن المحتمل على المدى البعيد الاتصال بين الخلايا العصبية وشرائح السيليكون، من خلال صنع أعضاء صناعية عصبية معقدة للتغلب على الاضطرابات العصبية، بل وصنع حاسبات عضوية تستخدم خلايا عصبية حية في عمل وحدة المعالجة المركزية .
وتجري حاليا أبحاث وتجارب، بهدف استبدال الأجزاء المصابة في الخلايا العصبية لدماغ الإنسان، بشرائح سليكونية إلكترونية رقيقة تقوم ببعض وظائف الذاكرة، مما سيمكن الشخص المريض من استعادة الذاكرة، حيث تقوم هذه الرقائق الإلكترونية بتعزيز القدرات الدماغية أو العصبية للإنسان، من خلال تعويض الخلايا العصبية المتضررة في الدماغ عن طريق تلقي النبضات الإلكترونية ومعالجتها ثم الاتصال مع جوانب حية في الدماغ، ويقوم العالم الأميركي ثيودور بيرجر أستاذ هندسة الطب الحيوي ومدير مركز الهندسة العصبية في جامعة جنوب كاليفورنيا، في مجموعة من الأبحاث، بهدف تطوير بعض لغات البرمجة في شرائح الكمبيوتر السليكونية، لتقوم ببعض أعمال المراكز العصبية عند الإنسان، كما يقوم رئيس قسم العلوم العصبية في جامعة براون الأميركية،العالم جون دونوهيو ومؤسس شركة "سايبركاينتكس" التي تعمل في مجال التقنية الحيوية في ماساشوستس، بزرع رقيقة إلكترونية دقيقة تبلغ مساحتها أربعة مليمترات، سميت باسم "بوابة الدماغ" أسفل عظام الجمجمة في أدمغة خمسة أشخاص مصابين بالشلل الرباعي، وذلك لتحفيز أدمغتهم على توليد الأفكار وإرسال الأوامر منها إلى الكمبيوتر لتنفيذها، ويأمل العلماء أن تساعد هذه الرقائق تدريجيا الأفراد المصابين بأضرار في الحبل الشوكي أو بالسكتة الدماغية على استعادة حياة أفضل لتنفيذ أعمال بسيطة كفتح أو غلق الأضواء أو تشغيل الأجهزة عبر أجهزة التحكم عن بعد الريموت كونترول .
يقوم الآن فريق دولي من العلماء من أوروبا وأمريكا واليابان، بالمشاركة في مشروع بناء العين البيونية،، التي يتوقع أن تصبح متوفرة للاستخدام الطبي قريباً، التي سيمكن وصلها بالجهاز العصبي مباشرة، لتمكن فاقدي البصر من استعادة بصرهم، وكذلك فاقدي السمع من استعادة سمعهم من خلال الأذن البيونية .
وفي انطلاقة مثيرة لعالم التقنية المتقدمة الحالي الذي تجاوز حدود الخيال، حصلت شركة مايكروسوفت على الحقوق القانونية للاستفادة من قدرة الجسم البشري لرفع أداء دور الشبكة الكمبيوترية . وتتصور مايكروسوفت إمكانية تسخير الخصائص الموصلة في الجسم البشري للربط بين مجموعة من الأجهزة الإلكترونية المتنوعة حول الجسم، وهو ما يفتح الباب لظهور جيل جديد من الأجهزة الصغيرة الذكية التي يمكن ارتداؤها على الجسم، وفي أقصى حدود إمكاناتها يمكن لهذه التقنية أن تربط بين رقائق كمبيوترية ومجسات مثبتة في أنحاء الجسم والملابس .
ويرى راي كورزويل وهو أحد المنادين الكبار بالتحول البشري الذي يعمل لدى جوجل أن التغيرات التي ينتظر أن تحدث على مستوى الهوية البشرية ستطبع الوجود البشري كله بطابع غير مسبوق
أرسل تعليقك